المنبرالحر

بين هجرتين ..تنوعت الأسباب والموت واحد / طه رشيد

حين عقدنا العزم على مغادرة الوطن في نهاية السبعينيات، لم يكن القرار اختياريا بل كان أضطراريا. فالمداهمات الشرسة التي قادها الحكم الصدامي ضد القوى اليسارية والديمقراطية وفي مقدمتهم الشيوعيون لم تكن ترحم. والدخول إلى أقبية البعث السرية لم يكن يترك فسحة للحياة ولم يكن هناك من مخرج سوى الظفر بفرصة السفر الى إحدى دول الجوار القريبة أو البعيدة!
آنذاك لم يعرف العراقيون بعد بالهرب من أجل اللجوء، واختلفت الأساليب المتواضعة بالهرب من « بحبوحة العراق الصدامية». فمنا من استغل تساهل بعض السلطات المتعمد بترك العراق! ومنا من جازف بقطع الصحراء مشيا على الاقدام أو غادر محبوسا داخل تانكرات المياه ..قصص تشبه الى حد كبير ما قرأناه عن اولئك الابطال الذين وردت حكاياتهم في إحدى قصص الكاتب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني.
تلقفنا المنفى الذي سرعان ما انتصرنا عليه بإعادة تنظيم انفسنا وتدبر حياتنا الجديدة من أجل هدف أسمى وهو العودة مجددا الى الوطن حين تحين الفرصة المناسبة متخذين من إحدى قصائد بريشت « لا تدق مسمارا في الحائط، فغدا انت عائد!» شعارا نتقوى به. لم نكن نظن بأن المنفى سيطول وكنا نرى أو نعتقد بأن هجرتنا مؤقتة حيث كنا نردد « سواها البعث سفرة سياحية!» لتأكيد الاعتقاد بأن النظام إيل للسقوط.
استجاب عدد كبير منا، ومنهم عدد مهم من الفنانين، للعودة السريعة من اجل الالتحاق بصفوف فرق الأنصار المسلحة في جبال كردستان والتي قدمت العديد من الشهداء على مذبح الحرية!
وانتظر الجميع سقوط النظام ليعودوا فرادى او جماعات، وما زالت العودة مستمرة حتى هذا اليوم. هذه العودة التي تثير فضول وتساؤلات عدد كبير من الناس وخاصة الشباب الذين يصرحون أو بالأحرى يصرخون : نحن نعمل المستحيل لنخرج من هذا الجحيم وانتم تتركون الجنة لتعودوا إلى هنا؟!
هل سيقتنعون باجابتي: أحبتي الجنة، يصنعها الإنسان بيده. لو توفرت فرص عمل متساوية للجميع . لو تم ترميم البنية التحتية بشكل صحيح. لو تم منع استشراء الفساد في مفاصل الدولة. لو تمت محاسبة الفاسدين وكشف السارقين في محاكم علنية وقضاء عادل.لو تم استرجاع المبالغ التي نهبت. لو كانت لدينا دولة مدنية تؤمن الخبز والحرية بعيدا عن المحاصصة والطائفية.. اذن لأصبح العراق جنة يحج اليها الآخرون .لا أن يهرب ابناؤه منها فرادى وجماعات.
كانت هجرتنا إنقاذا لرقابنا بينما هجرتكم يا شباب اليوم بهذه الطرق المحفوفة بالمخاطر، تشكل خطرا على حياتكم.
تعالوا لنناقش معا موضوعة الهجرة على رصيف التظاهرة!
دعونا نلتقي سوية عصر غد الجمعة ونضع يدا بيد ونهتف سوية : خبز.. حرية.. دولة مدنية! ونخلق جنتنا بانفسنا.