المنبرالحر

إحسِبْ ثم تقشّـفْ / قيس قاسم العجرش

من المُؤمل أن يوفر التقشف الحكومي مبلغاً يقترب من 5 مليارات دولار سنوياً. الاجراءات اشتملت حذف بعض المُخصصات التي كانت تمنحُ خارج التعليمات والحدّ من الإيفادات واستعادة عدد كبير من السيارات الحكومية وتقليص المخصص لها من مصاريف الوقود والصيانة وضغط النفقات التشغيلية في مقرات الدوائر الحكومية ومنع أوامر التجهيز الجديدة لعدد كبير من السلع، وأخيراً اعفاء عدد كبير من المسؤولين المتسببين بترهّل الحكومة.
الحيرة مع هذه الاجراءآت التي تبدو ايجابية تماماً تنحصر في السؤال التالي:
هل إنها جاءت استجابة للضغط الشعبي المُستدعي لمحاربة الفساد والمصاريف الوهمية؟..أم أن الدولة بالأصل تواجه حالة غير مسبوقة من شح الواردات ونقص السيولة نتيجة انخفاض اسعار النفط ؟.
بمعنى آخر، لو لم تكن الحكومة تمرّ بحالة شحّ الأموال، هل كانت ستنتهج نفس النهج؟. صحيح أنه سؤال افتراضي، لكنه يؤسس لما يجب أن تكون عليه اجراءات الحكومة وتصرفاتها إزاء المال العام، سواء في اليُسرة أم في العسرة.
والأهم من هذا، هل كانت الجماهير ستضغط باتجاه كشف الفساد لولا أن خنقتها الأزمات ومشاكل الحياة اليومية؟، إبتداءً من تكرار مسلسل الكهرباء وليس انتهاء عند البطالة التي يزداد أعضاء ناديها كل يوم.
وبحسبةٍ تأمليةٍ بسيطة، سنجد أن المزايا المُتصاعدة للمناصب العليا وحواشيها هي التي دفعت الى التزاحم السياسي على طلبها وبالتالي انقلبَ الى مُحاصصةٍ الغرض منها إيجاد أكبر قدرٍ من المناصب لأوسع عدد من مرشحي أحزاب تقاسم(السلطة - الغنيمة!).
وبهذا صار لدينا آلافاً مؤلفة من وكلاء الوزارات والمدراء العامّين والرتب العليا التي تستلزم كل واحدة منها حماياتٍ وسياراتٍ وخدمٍ وحشمٍ يقطعون الطريق لهم ويوصلون أبناءهم الى المدارس ويرعون لهم حدائقهم ويرافقون زوجاتهم في نوباتِ التسوّق!.
وفي المُقابل توسّع الثقب الذي يستنزفُ الموازنة الحكومية وتقلّص دور القوات المسلحة الحقيقية( لأن معظم ما نراه من جيش وشرطة في الشوارع هو في الواقع حمايات لهؤلاء العاطلين في المناصب). وقصة الفضائيين الخمسين ألفاً الذين أعلن عنهم رئيس الوزراء مُبكّراً ليست قصة وهمية.
اذن، وجب أن نتساءل ونحن نشاهد هذه الاجراءآت التي قلّصت وجود (المسؤولين العاطلين اصحاب الشفط الأعظم لموارد الدولة)، هل ان اجراءآت الاستغناء عنهم هي فعل تأسيسي لبُنية الحكومة الرشيدة؟، ام انها اضطرار بسبب نقص السيولة فقط؟.بمعنى آخر، لو ارتفع سعر النفط الخام هل سيظهر لدينا جيل آخر من هؤلاء ؟...على الأرجح نعم سيظهر، لأنهم جاؤوا بالأصل كحصص حزبية وليسوا كأفراد! وهذه هي العلة.