المنبرالحر

مطالب صحية في التظاهرات الشعبية / د. سلام يوسف

امتداداً لأوضاع القِطاع الطبي والصحي السيئة في البلد منذ عقود حكم الدكتاتورية، والتي امتازت بإتباع نظام صحي إتسم بالبيروقراطية والفوضى والفساد، وما انعكس جراء ذلك على طبيعة الأداء العام حيث نتج عنه غياب الوعي الصحي بين المواطنين وتردي الأوضاع البيئية والصحية وتراجعها المستمر، فأن هذا القطاع مازال مستمراً بالانحدار كتحصيل حاصل لما أنتجه الاحتلال ووريثته، المسخ "المحاصصة"، مما يدفعنا الى أن نصف القطاع الصحي في العراق بأنه يعاني من التشوش وفقدان البوصلة، وعلى الصعد كافة من أدوات وفعل ونواتج.
ولمّا لم يعد بالإمكان تحمّل ما تسببه المحاصصة من فساد وإفساد أكثر مما يُحتمل، فقد انتفض الشعب وبدأت الاحتجاجات والتظاهرات تكون هي السمة الغالبة على رد فعل الجماهير بعد أن كانت مكبوتة مشيرة الى غضب الناس وسخطهم على الأوضاع.
القطاع الصحي يحمل ثلث مشاكل الشعب بعد الفقر والجهل، وهذا يعني أن ثلث الفساد والتراجع وبؤس الأداء نجده في هذا القطاع، وهذا يعني مرة أخرى أن الشعب سينادي بإصلاح هذا القطاع كجزء من منظومة الإصلاحات التي ينادي بها اليوم.
وهذه الإصلاحات تبدأ بأبعاد أذرع اخطبوط المحاصصة عن الوزارة، ورسم سياسة صحية قادرة على تحمل مهام تجاوز الأعباء السلبية الموجودة واتباع نظام صحي جديد يؤمن تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطنين مع مراعاة حقوق واستحقاقات العاملين في القطاع الصحي من كوادر طبية وكوادر وسطية وفنيين ومهنيين وشغيلة، مع الاستفادة القصوى من الأيدي العاملة الوطنية والمكبلة بأغلال البطالة، دون إفساح المجال الى خصخصة القطاع الصحي حيث أن الخصخصة فضلاً عن أنها تتقاطع مع ما نص عليه الدستور، فأنها ستعود بأسوأ النتائج على كاهل المواطن، بل يُفرغ عملية الإصلاح من محتواها، دون الابتعاد عن فكرة الاستفادة من القِطاع الخاص وإفساح المجال أمامه ضمن ضوابط حماية المستهلك وعدم الإثراء على حساب أمراض الناس.
نحن بأمس الحاجة الى أنشاء ضعف العدد الحالي من المستشفيات العامة والتخصصية مع الأخذ بنظر الاعتبار التطور التكنولوجي العالي الذي يستخدم اليوم في العالم، وكذلك الى ضعف عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية، مع البدء بحملة أعادة الروح الى مراكز التعليم الصحي والطبي لتتخرج فيها أعداد من المختصين بإمكانهم أن يقوموا بمهمة انتشال هذا القطاع، ولا ضير من استقدام الأطباء من الخارج لحين تخريج دفعات من الأطباء العراقيين لتغطية الاحتياج الحالي، هذا إضافة الى أعادة النظر الشامل والكلي بالعقد المفصلية الإدارية خصوصاً وأن الإدارة الصحية باتت من مهام الوحدات الإدارية في المحافظات كسراً لطوق المركزية.
أن كل ذلك لا يمكن له أن يحصل ويتم أو يُنجز ما لم تصاحبه رغبة حقيقية في الإصلاح وإشراك القوى الوطنية الخيّرة، كونها مهمة وطنية بامتياز ويجب أن يتحملها الجميع.
كما أن هذه الإجراءات لا يمكن لها أن ترى النور ما لم تكن ضمن الحملة الوطنية للإصلاح، وهذا يعني شئنا أم أبينا، ومهما حاولت القوى المتنفذة المماطلة والتسويف، فيجب أن يُعاد النظر بكامل النظام السياسي (المأزوم) على وفق أسس المواطنة وليس على أسس تحاصصية أثنية أو طائفية أو فئوية.