المنبرالحر

تظاهراتنا مستمرة..ومستمرة / عبد السادة البصري*

(وما خرجت أشراً ولا بطرا.. بل لطلب الإصلاح في أمة جدي) .. هذا ما قاله الإمام الحسين بن علي (ع) حين جاء الى العراق تاركاً مكة والمدينة ــ حينما ثار على الظلم والفساد ..
ونحن خرجنا وتظاهرنا، ونتظاهر.. وسنتظاهر كلما وُجِدَ فساد وفاسدون.
نخرج.. نتظاهر للإصلاح.. للإعمار.. لإبعاد شبح الخراب عن وطننا.. وطننا الذي ما انفك ينزف دماً ومالاً وبنين منذ أكثر من أربعين عاماً. علينا أن نفكر بجدٍ وإخلاص ونزاهة ونيةٍ صادقةٍ في كيفية بنائه وبث روح المحبة والتسامح وزرع الألفة والخير والسعادة والأمان في كل بقعةٍ من بقاعه... تظاهراتنا سلمية، يكفلها الدستور والشرع والقانون.. حيث خرج الشعب بكل أطيافه وفئاته ونقاباته واتحاداته وأجناسه مطالباً بالإصلاح وكشف الفاسدين ومحاسبتهم، لأنهم دمروا البلد وأضافوا الى نزفه المستمر نزفاً آخر ووجعاً أكبر..
والإصلاح لن يأتي إلا بتضامن الجميع وتكاتفهم، وهذا ما حصل حين خرجنا وبصوتٍ واحد هتفنا (نريد الإصلاح... نريد الدولة المدنية... نريد العدالة... نريد الحرية والخبز)... نعم نريد كل ما يرسو بزورق الوطن على مرفأ الأمان والخير والسعادة بعيداً عن الطائفية والتشرذم والضياع..
وسنظل نخرج ونطالب، ولكن مع هذه المطالبات يجب علينا أن نعي تماماً أن التظاهرات وحدها لن تفي بالغرض، إذ أن غالبية الناس البسطاء والعامة المخدوعين بالكلام المعسول عن الدين والمذهب والطائفة والعقيدة والتقاليد والعادات، الذي ينتشر في كل مكان عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وتصريحات وخطب ووعود المرشحين ومَن يطبل لهم حينما تقترب الإنتخابات، والتوصيات التي تقول بأن هؤلاء المرشحين هم منقذو الدين والمذهب والطائفة والمحافظة المسكينة وما الى ذلك من كلام.. والحقيقة أن الدين بريءٌ منهم براءة الذئب من دم ي?سف.. لأن الدين إصلاح وتهذيب ومحبة وتسامح ونزاهة وإخلاص وصدق في كل شيء.. وهذا لم ولن يلمسه المواطن من الأغلبية التي قالت ووعدت وصرحت بالكثير الكثير من الوعود بعد فوزهم وجلوسهم على الكراسي التي ستنخرها الأرضة ذات يوم!
لهذا يجب علينا أن نثقف الناس ونتحدث للجميع وتوعيتهم وتعريفهم بماهية الدين الحقيقي، وأهمية التعامل وفق مبادئه الصحيحة التي سار عليها الإمام علي بن أبي طالب (ع) وخرج مطالبا ومضحياً من أجلها الإمام الحسين (ع)، لا وفق مآرب أصحاب النفوس الأمارة بأكل السحت الحرام..
يجب علينا أن نقول لهم أن الطائفية أساس الخراب في كل مكان وزمان وهي السبب الرئيسي في النزف الدائم للدماء والأموال.. وان الوطن فوق كل شيء فلا يغرنهم هذا وذاك بكلامه المعسول الذي يدوف لهم فيه السم بالعسل.. علينا أن نبحث عن الإنسان الذي يخدم الشعب والوطن بحرصه ونزاهته وإخلاصه وإنتمائه الحقيقي للأرض والناس.. ونعطي صوتنا لمن يستحقه فعلاً، بعيداً عن العاطفة التي تجرنا صوب كلام أناسٍ لا تقدم لنا غير الخراب والجوع والتشرذم.. بعيداً عن الطائفة والمذهب والعشيرة والحزب والفئة وقريبا، قريباً جداً من الوطن... الوطن الذي?دمرته الحروب الرعناء بكل أشكالها وصفاتها والتي أكلت جل أبنائه شيباً وشباباً وأطفالا ونساءً...
فالغريب الغريب جداً هو ما يحصل الآن، حيث أن البلد يمر بمنعطفٍ خطيرٍ جداَ من أزمةٍ ماليةٍ، وتظاهرات مستمرة لأكثر من شهر ونصف مطالبة بالإصلاح ومحاسبة المفسدين، الى هجرة كبيرة نحو الخارج وخصوصا بعد ان فتحت بعض الدول الأوربية أبوابها للمهاجرين من شتى الأعمار هربا من جحيم المحاصصة والفساد والخراب والجوع. ناهيك عن مدن محتلة من قبل عصابات داعش المجرمة ونزوح أهلها منذ سنة وأكثر.. كل هذا في وادٍ والحكومة والمسؤولون ابتداءً من أعلى رأس في الهرم السلطوي الى آخر كرسي في القاعدة في وادٍ آخر... إذ تجد بعضهم يذهب لأداء ف?يضة الحج رغم أدائه لها لأكثر من عشر مرات، وبعضهم يسافر للراحة والاستجمام بعيدا عن كل ما يجري، وبعضهم يحضر مؤتمراً للتآمر على العراق وشعبه.. وبعضهم.. وبعضهم.
وهذا دليل واضح وملموس على انهم لم يفكروا بالوطن وناسه أبداً.. بل فكروا بأنفسهم ومصالحهم الخاصة فقط، ناسين وتاركين الشعب الذي انتخبهم وصوّت لهم ذات يوم!
إذاً علينا واجب التمحيص والفحص الدقيق والبحث عن الشخص الذي يحمل الوطن بين جنبيه ويخدم الشعب والوطن... الذي يكون انتماؤه الحقيقي للعراق وأهله فقط، بعيداً عن المحاصصة بكل أشكالها وأطيافها...
وفي هذه الحالة ستكون التظاهرات والمطالبات قد أثمرت، وسينتصر العراق بناسه الطيبين على كل أشكال الفساد، وسينمو العراق ويعمر ويزدهر.. وسيعود المهاجرون الهاربون من الجحيم..
أتمنى أن لا يكون هذا (مجرد كلام حجيته ومشيت).
ــــــــــــــــــــــ
* شاعر وفنان