المنبرالحر

هل تنجح عملية الإصلاح في العراق بآليات تنفيذ قديمة؟! / مصطفى محمد غريب

عملية الإصلاح في العراق تحتاج إلى آليات جديدة تتناسب فيما آلت إليه أوضاعه المأساوية والى عزيمة وجرأة والمضي دون تلكأ ولا تراجع وبدون الشرطين المذكورين ستبقى عملية الإصلاح كما هي ،الوعود السابقة سرعان ما ينفض عنها من أطلقها بهدف مبيت ولغرض مبطن ليخدع الجماهير التي خرجت إلى الشوارع وهي تطالب بإصلاح الوضع بشكل عام ، الوعود السابقة مثلما نتذكر بقت قيد الانتظار وبقى من أطلقها يماطل وغير أمين إلا من اعتلاء المركز الحكومي والمسؤولية ، الأمثلة كثيرة وهرج البعض من النواب وكتلهم قبل الانتخابات الأخيرة بقى كما هو مجرد هرج، وهرج رئاسات الوزراء السابقة بقى هرج.. ولكن أين ما تعهدوا به على ارض الواقع! فكل ما قالوه وتعهدوا به من تعهدات أصبح كفقاعات الهواء سرعان ما تلاشت لمجرد ارتفاعها عن الأرض، وأمامنا ما آلت إليه الأوضاع..
اليوم عندما ندقق سير عملية الإصلاح التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي نرى هناك اتجاهات عديدة بخصوص الإعاقة أو التأييد.. القسم الأول: موجود بين ظهراني التحالف الشيعي وحتى حزب الدعوة. والقسم الثاني: في البعض ممن يشارك في السلطة والعملية السياسية من قوى سياسية أخرى. والقسم الثالث المؤيد: الذي يساند ويعمل لإنجاح عملية الإصلاح من قبل الحراك الجماهيري والقوى الوطنية والديمقراطية والحزب الشيوعي العراقي والتحالف الوطني الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني بما فيه النقابات بشكل عام والقسم الرابع وليس الأخير: القوة الضاربة إذا ما توحدت الرؤيا والمواقف بخصوص الإصلاح، ونحن على ثقة أنها ذو ثقل سياسي وجماهيري مؤثر أخاف ويخيف الفاسدين وأدواتهم العملية ولهذا لاحظنا أثناء تطور الحراك الجماهيري بدأت القوى والميليشيات المضادة للإصلاح تقوم بإعمال إرهابية معادية بما فيها الاغتيالات التي حدثت من قبلهم فقد تم اغتيال حوالي ( 12 ) من الناشطين في مقدمتهم " حيدر غازي كما اغتيل في البصرة الناشط المعروف " صبيح الكرمشي، إضافة إلى اغتيال خالد العكيلي وحسين الحلفي وماجد سعد في بغداد كما اغتيل في بابل حيدر العلواني أما في الكوت فقد اغتيل كل من هيثم الركابي ووليد الطائي، أما التهديدات بواسطة الرسائل الالكترونية والهواتف أو وضعها على الأبواب المنزلية فحدث فلا حرج لكثرتها وتنوعها وكل ذلك مرتبط بمسؤولية الميليشيات الطائفية المسلحة يقودها أو هي مرتبطة بمسؤولين فاسدين أخافهم الحراك الجماهيري وتوسعه ليشمل أكثرية مناطق البلاد، وبسبب هذه الاغتيالات والتهديدات فقد حذرت بعثة الأمم المتحدة على لسان ممثلها الخاص يان كوبيش في ظل ورود تقارير تفيد " باعتداء كيانات مجهولة على المتظاهرين والصحافيين وترويعهم وتهديدهم بالموت فأن على قوات الأمن العراقية أن تتصدى لتلك الكيانات المجهولة وفق القانون كما ينبغي على السلطات العراقية مقاضاة من يحاول حرف التظاهرات السلمية عن مسارها أو منع الصحافيين من تأدية عملهم".. ولهذا من الضروري أن يستمر الحراك الجماهيري السلمي لا بل يجب أن يتطور وان لا يذعن للتهديد ولا لأي مطلب بالكف عن المطالبة بالإصلاح الشامل لإنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب والميليشيات والتدخل الخارجي وعلى الحكومة العراقية أن تتخذ كافة الإجراءات القانونية الرادعة ضد من يحاول التهديد أو يمارس الاغتيال من الميليشيات المسلحة المضادة لعملية الإصلاح..
منذ بداية الانحدار نحو النهج الطائفي والفساد طالبت أكثرية القوى الوطنية والديمقراطية بضرورة إجراء عملية إصلاح شاملة في مقدمتها تحقيق المصالحة الوطنية التي لا تعني مع من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين بل تعني أول ما تعني التخلص من نظام المحاصصة والنهج الطائفي بالتوجه لبناء الدولة المدنية وتحقيق مبدأ المواطنة لجميع العراقيين دون استثناء إلا أن ذلك لم يحدث لأسباب كثيرة وظلت قضية المصالحة الوطنية تتراوح في مكانها وبدلاً من الإسراع لتجنب العراق من الكوارث ظل التباطؤ وغلق الأسماع سيد الموقف وبقى الاعتماد على البعض من الحلول النصفية التي زادت من تعميق الأزمات واستفحالها لا بل أوصلت الكثير من الأوضاع إلى طريق شبه مغلق ويحتاج إلى جهود استثنائية.. ولا يتصور من يتصور أن عملية الإصلاح ستتم بمجرد الحديث عنها أو إطلاق التصريحات لأنها عملية معقدة وتحتاج آليات جديدة وبرنامج منهجي يعتمد أول ما يعتمد على أجهزة الدولة المخلصة بما فيها الأجهزة الأمنية ثم يجب أن يكون إلى جانبها سلطة قضائية تواكب عملية الإصلاح وان تكون مستقلة في قراراتها وأحكامها وبالخط العريض أن لا تكون تحوم حولها الشكوك وعلى مصداقيتها وعدم تحيزها، ثم هناك جانب آخر يساهم بنجاح عملية الإصلاح وهي السلطة التشريعية بإصدارها التشريعات والقوانين التي تدعم السلطة التنفيذية وتقف إلى جانبها بدون أن تتأثر كتلها بالارتباطات الحزبية والطائفية وآفة المحاصصة فضلاً عن قضايا مهمة هي وقوف الأحزاب والكتل النظيفة ( نعني التي ترى مصلحة العراق فوق مصالحها ومصالح الأجندة الخارجية ) أن تقف القوى السياسية والدينية مع الإصلاح لا بل تسعى بكل جهدها من خلال ممثليها في البرلمان أو أية مؤسسة في الدولة إضافة إلى جماهيرها إلى الدعم الفعلي والعملي لنجاح الإصلاح الذي يجب أن لا يكون تهريجياً ويتمتع بمصداقية التنفيذ، كما يجب أن تتمتع الحكومة بأوسع قدر من الصلاحيات والقرارات ولا تسمح أن تتدخل دول الجوار أو أية دولة في شؤونها واتخاذ قراراتها المستقلة التي تخدم البلاد مثلما حاول الجنرال الإيراني سليماني قبل فترة الذي لم يحضر الهيئة السياسية للتحالف الوطني إلا بتوجيه خارجي وموافقة البعض من المنضويين في التحالف الشيعي وبمباركتهم والذي شكل عليهم مأخذاً ممكن استغلاله مستقبلا من قبل البعض حتى داخل التحالف الوطني إضافة إلى القوى السياسية الوطنية ، كما أن هناك قضايا مثل التخلص من المحاصصة وان يكون البديل المكان المناسب للشخص المناسب والضرب بيد من حديد على يد الميليشيات وأسلحتها التي هي خارج إطار الدولة والقانون، والتوجه للمصالحة الحقيقية التي هي راس الحربة في المساعدة للتخلص من الإرهاب وداعش كما أن التوجه الجاد لتشريع القوانين المهمة بما فيها تشريع أو تعديل قانون الانتخابات على أساس عادل، وضرورة حل المشاكل المتعلقة مع الإقليم وإعادة الثقة والتفاهم والصراحة وعدم الانجرار نحو التصريحات الإعلامية لكل من هب ودب لخلق الفتنة التي تصور أن الكرد أعداء غرباء بل من الضروري التوجه لروح المواطنة والمساواة.
لقد برزت في بعض مظاهرات الحراك الشعبي شعارات غير متفائلة وهناك نوع من الإحباط تسلل للنفوس حول قدرة حيدر العبادي المضي في تنفيذ الإصلاحات كما هناك تشكك واتهامات بعدم دستورية الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي وليس هذا فحسب بوجود تلك ومواقف سلبية من قبل البعض من أجهزة الحكومة وهو ما التفت إليه حيدر العبادي وأكد عليه يوم الاثنين 14 / 9 / 2015 بان هناك من يعمل لعرقلة الإصلاحات واتهمهم أن "هناك محاولات لعرقلة هذه الإصلاحات وبخاصة من المتضررين منها" واعترف حيدر العبادي بشكل صريح أن"المواطنين يريدون الإصلاح"..
بصدق نقول: نعم أن المواطنين العراقيين يريدون الإصلاح لا بل هم يصرون عليه.. لكن هناك أسئلة مشروعة مطروحة تحتاج إلى أجوبة واضحة وفي مقدمتها ـــ كيف ستتم عمليات الإصلاح ومؤسسات الدولة وأكثرية مجالس المحافظات مترهلة بالفساد والمحاصصة ؟ لان عمليات الإصلاح تحتاج إلى جهاز اقل ما فيه الإخلاص والنظافة، تحتاج إلى آليات جديدة لم تتلوث بأدران الفساد ومشتقات المصالح الطائفية والحزبية، تحتاج إلى التخلص من السلاح الذي يعشش في أيدي الميليشيات والمافيات المتنوعة وهي تستعملها متى تشاء وفي أي مكان وأمام أنظار الشرطة والجيش وغيرهما، تحتاج إلى المؤسسة الأمنية الوطنية غير المخترقة المسؤولة أمام القانون للمحافظة على أمن المواطن وأمن البلاد وبالتأكيد تحتاج القضاء العادل النظيف الذي لا يتأثر بالمغريات ولا بالتهديدات.
أن المخاطر التي تلم بالبلاد كثيرة ومتشعبة وفي مقدمتها الإرهاب وداعش وانفلات الميليشيات الطائفية وهي تحتاج همة وطنية مسؤولة وتوجه حقيقي لإنجاز عملية الإصلاح التي هي مسؤولية جامعة تحتاج إلى جهود استثنائية، إلا أن ما يخيف في الأمر أن تكون العملية عبارة عن امتصاص لسخط وغضب الحراك الجماهيري وأداة تسعى لخلق حالة من الإحباط والتراجع والاكتفاء بإجراءات إدارية وقرارات لا تمس جوهر الفساد ولا أصحابه الكبار، إن الضغوط المستمرة كما أسلفنا متعددة الاتجاهات والجهات وهي تهدف لتسفيه العملية برمتها ولاحظنا بوادرها من التصريحات المضادة ومن المطالبات بالكف عن التظاهر بحجة استغلالها لأهداف "مغرضة لم تفصح عن مصدرها!!" لا بل هناك الإعلان عن انسحاب البعض بالحجة نفسها وحجج غيرها وعلى الرغم من موقف المرجعية وفي مقدمتهم السيد على السيستاني فالبعض من أحزاب الإسلام الشيعي بالذات تتوجه إلى تفسيرات لردع أو عدم توسع الحراك الجماهيري والالتفاف على مطالبه المشروعة وفي مقدمتها إنهاء الفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية ومحاسبة الفاسدين قضائياً وإصلاح القضاء وتوفير الخدمات للجماهير الشعبية.. المضي في عملية الإصلاح يحتاج إلى الصدق والجرأة والاعتماد على القوى الوطنية والحراك الشعبي التي عملت وما زالت تسعى لنجاحه لكي يتم انقاد العراق من الأشرار الفاسدين المعششين في أجهزة الدولة من القمة وحتى القاعدة ومن الشر المتربص به.