المنبرالحر

التعامل مع الوضع الحالي / د. فاروق الباز

سُئلت عن تصوري كيفية مصالحة البشر على ضفاف النيل شمالا وجنوبا‏.‏ أجبت أن الشجار الذي نراه حاليا سوف يندثر مع الوقت لأن شعب مصر لم ينقسم على مدى العصور منذ نشأة الدولة الواحدة قبل‏5000‏ سنة‏,‏ وكان قادرا على تحليل أمورها وأنسب السبل للتعامل معها‏.‏
لقد وصلنا إلى الوضع الحالي نتيجة حتمية لسوء حكم الإخوان على مدى عام كامل. أمسك قادة الإخوان بمقاليد الحكم جميعا وتمادوا في إقصاء الرأي الآخر وكأنهم الآمر الناهي في كل أمور الناس.
إذا عدنا إلى عام مضى نتذكر دعم الناس لمحمد مرسي في بداية رئاسته وتمنوا له خيرا. توقع المصريون عندئذ أن بعد نجاح ثورتهم يبدأ الحكم الرشيد الصالح ليخرج البلاد من ثباتها العميق. ولكن شعر الناس بأن حكومة الإخوان تتصرف بغباء وتتخبط في العمل بكافة المجالات محليا وخارجيا. ساءت الأحوال لدرجة لا تقبل, وشعرت غالبية الناس بالخطر الداهم واتفقت على لزوم تغيير المسار.
اجتمعت الغالبية العظمى من الناس في30 يونيو الماضي في كل ربوع الوطن بجموع غفيرة لم يكن لها مثيل في الماضي. كان مطلب الجميع هو إنهاء الحكم الرديء لإخراج مصر من طريق الظلمات الذي نهجته وتمادت في مسلكه جماعة الإخوان. أعلن جيش مصر استعداده لحماية هذه المسيرة لأن قواتنا المسلحة كانت ومازالت صمام الأمان الدائم لحماية أرض مصر بأكملها واستقلالها وأمن أهلها على مر العصور. نتج عن هذا الإعلان الوطني الهام إقالة محمد مرسي وحكومته حفاظا على الوطن وسلامته. رفضت قيادة الإخوان المطلب الشعبي وباتت تعزز الشجار والعراك آملة أن تعود إلى الإنفراد بالحكم, فهي لم تفطن إلى ما يحيط بها من سخط شعبي ولم تع كيف تتجاوب مع الواقع.
أما اليوم فعلينا أن نتريث في التعامل مع العدد القليل نسبيا من المتظاهرين من الإخوان وداعميهم. أولا يلزم أن نركز الغضب على قادة الإخوان ونتذكر أن بعض شباب الإخوان يقومون بالعمل التطوعي الصالح في خدمة المجتمع. وثانيا يلزم الذكر أن لكل الناس حقا في التظاهر السلمي مادام ذلك لا يضر مؤسسات الدولة أو يهدد كيانها. لذلك علينا التمهل في التعامل مع ميدان رابعة العدوية وألا لا ننظر إليه على أنه خطر لا بد من سحقه, وذلك لأنه مظهر من مظاهر حرية إبداء الرأي, وهو حق للجميع. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هناك الكثير من شباب الإخوان الذين انفصلوا عن المسار الأعوج لقيادتهم. يمثل هؤلاء جماعات حرة الفكر تعمها المواطنة الصالحة بعيدا عن فكر جيل الفشل. وأعتقد أن أعداد هذه المجموعات سوف تزداد في المستقبل لأن شباب مصر بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الحزبية يأملون وحدتها ورفعتها. لذلك لا داعي لإنهاء أي تجمع أو إخلاء أي مكان بالقوة. لن تؤثر هذه التجمعات على مسار الإصلاح, وعلينا أن نحاول إقناع الناس فيها بالحسنى ودعوتهم للمشاركة في المسيرة البناءة. الأسى الحقيقي لهذا المسار هو استمرار استياء الناس التي تعيش بالقرب من أماكن التجمع. وعلينا أن نحاول مواساة هؤلاء قدر الإمكان والتخطيط لدعمهم حاليا وكذلك فور انتهاء الاعتصام بالقرب منهم.
الأذى الأصغر شأنا هو استمرار بعض أجهزة الإعلام خاصة الدولية تكبير صورة الاعتصام والتهليل لقادتها. ربما أساء ذلك السمعة مصر على المدى القريب ولكن التعامل مع الوضع بحكمة وهدوء يكون له وقع عظيم على المدى البعيد, وهو الأهم.
في نفس الوقت علينا أن نبدأ بتنظيف وتجميل كل المواقع التي تمت فيها مظاهرات شهر يونيو. ربما بدأ ذلك بميدان التحرير لكي يتم تجميله وتزيينه كموقع قومي هام كعنوان لثورة 2011 ومكاسبها. وليس هناك من شك في أن قيام الحكومة المؤقتة ببعض الأعمال الملموسة حيال ثبات الأمن والأمان للناس جميعا, وعودة ما يمكن إعادته للإنتاج سوف يهدئ النفوس. عندئذ تهدأ الأمور وتبدأ التجمعات الحالية في الاندثار رويدا رويدا, وتنتهي المشكلة الحالية بسلام وأمان.
علينا أن نتذكر أن شباب مصر تجمعوا في يناير 2011 لتأمين مستقبل زاهر وتأهيل العيش الكريم لكل أبنائها وبناتها. كان من أبرز مطالبهم إعلاء حق المواطنين والمواطنات جميعا في إبداء الرأي والعمل الجماعي لرفعة الوطن. لا بد أن يستمر هذا الشعور النبيل ليخرجنا من طريق الظلمات. هذا الشعور يؤهل تمهيد الطريق المناسب لانطلاق أجيال المستقبل للابتكار والإبداع لرفعة مصر إلي مكانة تليق بها بين الأمم, والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــــــ
"الأهرام" المصرية
5 / 8 / 2013