المنبرالحر

مزايدات على جوع الفقراء / محمد شريف أبو ميسم

معدلات الفقر في العراق كانت وما زالت تفوق معدلاتها في بلدان لا تملك من الثروة النفطية ما يمتلكه العراق، وليس لها ما للعراق من خيرات وموارد طبيعية .. وبحسب آخر احصائيات وزارة التخطيط فان معدلات الفقر سجلت انحسارا في البلاد اذ سجلت في آخر المسوحات 19 % بفارق 3% عما كانت عليه في 2007 وهي نسبة ضئيلة الا انها (جيدة بحسب خبراء وزارة التخطيط ، كون الوضع يتجه نحو انخفاض نسبة الفقر تدريجياً!).وبدلا من أن يسلط الضوء على أسباب هذا التلكؤ في معالجة مشكلة الفقر من خلال مساءلة المتصدين للمسؤولية يستغل ضعف الفقراء ليسوق عوزهم في سوق الدعايات الاعلامية والسياسية في تجاوز فاضح على حقوق هؤلاء.
ان الفقراء وان كانوا في عوز وانكسار ، الا ان المنطق والأخلاق والقيم والدستور والشرع جميعهم يقولون انهم اناس لهم حقوق بوصفهم مواطنين لا ينتقص الفقر من انسانيتهم، ومن واجب الدولة والحكومة معا أن تكفل لهم حق الكرامة لئلا يستغل فقرهم في أسواق سماسرة الاتجار بالبشر، فالفقر لا يتسبب في جنوح الأطفال وانحراف الأخلاق وتفشي الجريمة من خلال استغلال العوز والفاقة في أسواق العمل وأوكار الدعارة والجريمة وحسب، انما يمتد لاستغلال الفقر في سوق السياسة والاعلام، بأساليب تضع الفقراء موضع الشحاذين والمطبلين لهذا المنحرف السياسي أو ذاك .
ففي شهر رمضان المبارك هذا العام تجلت حالة غياب المسلسلات التلفزيونية في الفضائيات التي عرفت بتوظيف الدراما التلفزيونية في التصارع السياسي ، وحل محلها برامج تقدم فيها الفضائيات العطايا والصدقات والمنح المالية للعوائل الفقيرة بأساليب رخيصة ، مقابل استغلال فقر وعوز هذه العوائل وعرضها باسلوب وضيع على شاشات الفضائيات .. حيث تعرض تداعيات الفقر لحساب هذا أو ذاك في وقت تشاهد فيه الانكسار والذل على وجوه الفقراء وهم يتلقون الصدقات من اعلاميين وسياسيين في انتهاك صارخ لكرامة الانسان حيث تعرض النساء وهنّ مطأطئات الرؤوس والأطفال وهم في اسوأ حالاتهم، والآباء وهم يتوسلون ويبتهلون بالدعاء لصاحب القناة أو من يقدم الصدقات! ان الدولة وعلى مايبدو لم تتمكن بعد من حماية 19 بالمئة من الشعب العراقي من أنياب الفقر ، وبالتالي فانها بجهازها التنفيذي والتشريعي المتصارعين غير قادرة على سن القوانين التي تحصن كرامة الانسان من هذا الاستغلال البشع ، وبالتالي فهل من وقفة مسؤولة لرجال القانون الوطنيين لحماية حقوق الفقراء من الانتهاك؟