المنبرالحر

السيدة توكل كرمان والثورة المصرية / د. علي إبراهيم

فرحنا كثيرا عندما حصلت مواطنة من اليمن على جائزة نوبل للسلام، ولأول مرة يحصل عنصر شبابي على هذه الجائزة دون أن يكون لديه منجز علمي كبير، ولكنها استحقت هذا التكريم من خلال موقفها المشرف اتجاه نظام على عبد الله صالح الدكتاتوري الفاشي في اليمن، ونضالها من أجل حقوق الإنسان، وهذا الموقع يحتم على صاحبه التزامات كبيرة، وأهمها هي الحيادية في اتخاذ المواقف ونصرة الحق ضد الباطل ويبدو أن السيدة فشلت في أول اختبار لها عندما انحازت إلى جانب الإخوان في مصر وهذا الانحياز ليس طارئا إنما هو دفاع عن معتقدها فهي عضو مجلس شورى (اللجنة المركزية) لحزب التجمع اليمني للإصلاح واللقاء المشترك الذي يمثل تيار (المعارضة) ويمثل الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن، وهذا ما يجعل شهادتها مجروحة، لاسيما اننا أمام ثورة عارمة قوامها أكثر من ثلاثين مليونا في الشارع ولا ندري عدد المؤيدين الذين لم يخرجوا ... أضف إلى ذلك تأييد الجيش والشرطة، أليست هذه حقيقة تتطلب الدعم من السيدة توكل؟ وأين كان دعمها للشعب المصري حين وقع تحت ظلم الإخوان وجورهم وفسادهم وسرقة قوت شعبهم وتعطيل دستور الدولة ولا أريد أن أشير للمواقف الخارجية الدولية والعربية التي لا تخدم مصالح شعوب المنطقة، وأين كانت من اضطهاد المرأة المصرية وهي ترأس منظمة صحفيات بلا قيود وهي إحدى أهم منظمات المجتمع المدني في اليمن وعضو الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان، وهل تعتقد السيدة توكل أن خروج هذه الملايين للشارع يمثل ارادة خارجية أو إرادة حزب أو مجموعة أحزاب، التي ستعجز عن تحشيد بضعة آلاف، حتى لو رفعت أجمل الشعارات، ما لم يكن هناك ظرف موضوعي يتمثل بجزع الناس وعدم قدرتهم على مواصلة الحياة في ظل نظام لا يوفر أبسط المستلزمات لحياة حرة كريمة. ملايين من خيرة مثقفي البلد وعلمائه ومن الطبقات المهمشة خرجوا بكل حرية دون أي ضغط أو مغريات وبشكل سلمي. وكان هدفهم التغيير السلمي، ولهذا تم التفاوض مع الرئيس مرسي حول الانتخابات المبكرة، لكنه رفض ذلك متمسكا بـ "الشرعية" التي انتهكها بتعطيل الدستور، ومع ذلك ظلت دعوة المساهمة في العملية السياسة قائمة ومفتوحة للجميع. لكن الإخوان بدلا من الرضوخ لإرادة الغالبية، لجأوا إلى استخدام العنف بالسلاح لقتل الأفراد وضرب الجيش وتخريب المنشآت. ومع ذلك ما زالت مظاهراتهم السلمية تحت حماية الدولة.
لقد وقعت السيدة توكل في تناقضات كبيرة في رسالتها إلى السيدة كاترين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فهي تعتبر ما تقوم به العصابات الطائفية المسلحة في سوريا ثورة جرت "إلى مربع الكفاح المسلح عوضاً عن الثورة السلمية المضمونة والمأمونة العواقب" بينما تعد الثورة المصرية السلمية انقلابا عسكريا ناسية موقف الرئيس محمد مرسي المخلوع من هذه "الثورة" المتخلفة التي سببت الويلات للشعب السوري بانحيازه المكشوف والتام لإخوان سوريا تماما كما تفعل السيدة توكل بانحيازها لإخوان مصر.
تقول السيدة توكل "بدأت تتضح معالم حرب غير عادلة ضد الربيع العربي تغذيها جهات محلية وإقليمية ودولية لا ترحب بالديمقراطية ولا تهتم بحقوق الإنسان!!" .
من الواضح للمتتبع لهذه البلدان التي حدث فيها ما يسمى بالربيع العربي أنها لم تنتج حكومات ديمقراطية كما أرادها قادتها من الشباب الثوريين إنما ركبت موجة الثورات قوى لا تؤمن بالديمقراطية وقد جعلت منها وسيلة للوصول إلى السلطة ثم تنقلب عليها وهذا ما حدث في مصر وتونس واليمن وهي النماذج التي وصلت إلى السلطة عن طريق الكفاح السلمي، أما ما حدث في سوريا وليبيا فهو نزاع عسكري مدعوم خارجيا وما زال يستخدم العنف محاولة للسيطرة على زمام الأمور.
إذن، في الوقت الذي تدين السيدة توكل التدخل الخارجي تدعو في رسالتها إلى تدخل من قبل الإتحاد الأوربي في مصر على رغم أن ما يجري فيها هو استكمال لثورة 25 يناير لتصحيح المسار.
إن الدرس الذي يجب أن تفهمه السيدة توكل وغيرها من السياسيين، أن صندوق الاقتراع وحده ليس معيارا لبقاء الحاكم الظالم في السلطة بحجة الشرعية إنما هناك معيار آخر أهم وأبلغ هو الحراك الجماهيري الواسع الذي لا يمكن أن يحدث، إلا عند استبداد الحاكم وعجز السلطة عن تقديم الخدمات للناس. ولذلك أقول لمن لديه الحرص على مصر سواء السيدة توكل أم غيرها إذا كانت لديكم مقولة خير فقولوها أو اتركوا الشعب يقول.