المنبرالحر

الفرقة تخرب الأوطان وتمنع الاعمار/ نجم خطاوي

فوق هذا الكوكب يتقاسم البشر العيش في أمصار ودول مختلفة وتتباين مذاهبهم وأديانهم وأصولهم وألوانهم ومنها تتلون تقاليد وطقوس الفرح والحزن وفهم الحياة والموت. ولم يقدم البشر للعيش على هذا الكوكب من كواكب اخرى مجهولة بل انهم تقاسموا العيش هنا على رقع جغرافيا هذه الارض منذ ملايين من السنين والحقب والتي أرخت لتاريخ كل ملة وقوم حيث امتزاج الخير بالشر والعدوان بالتسامح .. ومن أجل البحث عن طرق ووسائل لتحسين طرق العيش وإشباع الحاجة والذات والرغبات ابتدأ الناس بابتكار وسائل بدائية اولا في تحفيز الارض لتمنح ما في باطنها من خيرات.
وعبر الاحجار البسيطة كمعاول, مع استمرار الصراع من اجل التغلب على طقوس شراسة الطبيعة وهيجانها احيانا. ومع بدايات تشكل الجماعات بشكلها البدائي وحصول الوفرة, بدأت بذور الشقاق الاولى ممهدة لظهور الفتن والنزاعات ونواتات الحروب والعداوات...
وفي هذه الحقب الطويلة بدأت البشرية في السعي والتفكير وبروية ومنطق عن وسائل وإمكانيات للحول دون توظيف ما ابتكرته زين العقول من اختراعات وخبر كوسائل لإبادة الاخر والعدوان وعبر خلق الحجج الواهية للصراعات والفتن.
ولسنا في العراق قد أتينا من جغرافية اخرى غير جغرافية هذا الكوكب, لا بل ان مكاننا في هذه الرقعة من الجغرافيا يقول الكثير عن البدايات الاولى لنشوء الانسان وعيشه واكتشافه لأدوات الزراعة الأولى ومن ثم تلك الحقب الزمنية التي قدمت النور للبشرية في عطاء حضارات اور وسومر وبابل....
والدارس والمتتبع لكل تاريخ هذه الشعوب والبلدان سوف لن يجد تطورا وأعمارا قد تم في مكان ما حيث الفرقة والنزاع والتنازع وتكبير الذات والفئوية على حساب الدولة...
ربما شهد التاريخ نماذج لسلطات استمدت من القهر والجور اسلوبا لإسكات الناس وقهرهم مع بعض الرقي والأعمار والتطور, ولكن هذه الفرضية تبدو غير واقعية مقارنة بان الرقي والوعي والأعمار يعني ايضا الانسان وحرياته وتطلعاته ...
يقول علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث/ الجزء الأول, عن موضوع التنازع البشري :
" التعاون والتنازع صفتان متلازمتان في البشر لا ينفصلان, فلا يمكن أن يكون البشر متعاونين كليا لا تنازع فيه, أو متنازعين تنازعا كليا لا تعاون فيه. ان الانسان ليس حيوانا محضا ولا انسانا محضا, بل هو حيوان وإنسان معا, فهو يميل للتعاون بدافع كونه إنسانا ويميل الى التنازع بدافع كونه حيوانا "
يبدو هذا التحليل واقعيا في سياق محدودية زمانه ومكانه, ويبقى قاصرا مقارنته بالعمران والرقي والتطور الذي شهدته الكثير من دول العالم اليوم وعبر الاستناد الى نظم حياتية ودساتير مدنية وفرت للناس العيش الكريم ولو بحدود معينة.. الانسان ليس بحاجة للعودة الى طباع الحيوان والعدوان في كل الأحوال اذا وفرت له الدولة المسكن والمرتب والخدمات والآمن والحاجات الانسانية الضرورية, وستميل بالتأكيد نزعة التسامح عنده على فكرة النزاع والعداوة.
"اوصيكما بنظم أمركم وصلاح ذات بينكم, فأني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله يقول( صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام)" هذه من وصية الامام علي لولديه الحسن والحسين, قالها وهو يعاني من ألم طعنات سيف ابن ملجم..ولنا تصور منزلة ومكانة التعاون وصلح ذات البين , والمقصود بالتأكيد هنا الدعوة لنبذ الفرقة واحترام الاختلاف وإصلاح ما يسببه من عداوات....
ثم يمضي في حكمة ليست اقل من الاولى موعظة وفائدة:
" انظروا إذا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة, ولا يمثل بالرجل فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ( اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) " .
وفي التمعن انظروا لجملة "اذا مت" حيث نجد انه يضع شرطا لعقوبة قاتله هو في حالة موته, أي أن العقوبة الشديدة لا تلحق بالقاتل في حال عدم موته, وربما يقص, ثم يلحقها بعدم الجواز بالتمثيل بالميت حتى ولو كان هذا القاتل قد سبب في موت الامام والخليفة....ان النظر للذي يجري اليوم من تلبس شعائر الدين جورا وادعاء الحق في تكفير الاخرين وتصفية الخصوم بوسائل يندى لها الجبين تبين لنا بوضوح التقاطع الكامل بين هؤلاء وبين قيم الدين الانسانية التي ارادت الخير والعيش السعيد للناس مبتدأة بالمبدأ العظيم " حب لآخاك ما تحب لنفسك" ويا للمعنى الكبير هنا في تقديم الأخ والإنسان الذي يشاركننا العيش على النفس الذات.
وفي الاية الكريمة: " تعلموا من انسابكم ما تصلون به أرحامكم" دروسا كبيرة لمن يريد أن يستفيد, فالتركيز هنا على الجزء المفيد والاهم من النسب والقبيلة والعشيرة والمذهب وهو ما يمت بصلة الى صلة الرحم بالأخر الذي ليس من القبيلة والعشيرة والمذهب....السؤال لنا جميعا ...هل عندنا القدرة على التعلم عن مغزى التخندق والفئوية عند حساب المصالح, ومتى اهتمامنا بصلة الرحم في حساب الانساب ؟.
يحذرنا عبد الرحمن بن خلدون من الانجرار وراء سياسة بعض اهل السلطة في صراعات ليس للناس فيها فائدة ويقول :
" فأما المدن والأمصار فعدوان بعضهم على بعض تدفعه الحكام والدولة بما قبضوا على ايدي من تحتهم من الكافة ان يمتد بعضهم على بعض أو يعدو عليه, فهم مكبوحون بحكمة القهر والسلطان عن التظلم إلا اذا كان من الحاكم نفسه".
وهنا دعوة واضحة وصريحة لعدم التخندق مع اولي السلطة إذا شعر الناس أنهم على خطأ ويريدون بالناس التهلكة في صراعات وحروب داخلية تبعد الخير والأعمار وتزيد الفرقة والعداوات والضغائن والتقسيم.
في هذا الشهر الكريم رمضان الذي فيه الكثير من الدروس والمواعظ الإنسانية التي تؤكد على التسامح ونبذ الحرب والقتال والشعور بحاجة الآخر وإعانته وبالتعاضد الاجتماعي...
كم نحن محتاجون هذه الأيام الى مراجعة بسيطة لما آلت إليه احوال بلادنا من فتن وعراك وخصومة يمكن أن تهدد مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة....حقيقة علينا جميعا أن نتعلمها بأن هذه البلاد غنية بمواردها وخيراتها وحكمة البشر فيها وهي يمكنها أن تشبع كل من يعيش على سوادها وتضمن للجميع حياة انسانية تليق بالإنسان..ولكن بشرط أن نرتقي جميعا الى التفكير الأشمل والأعم والأكثر رقيا وهو التفكير بمصلحة الوطن أولا ودون اعتبارات اخرى والإعلاء من قيم المواطنة دون فرعيات أخرى...
رمضان كريم وأمنيات طيبة بأعياد قادمة في عراق السلام والخير والآمان والتطور.

ستوكهولم 6/8/2013