المنبرالحر

تظاهرات الجماهير مستمرة / د. محمود القبطان

منذ 31 تموز وليومنا هذا تظاهرات الجماهير المطلبية مستمرة وفي مقدمة هذه الجماهير فئة الشباب الواعي لمصالح العراق والاجيال القادمة بسبب فقدان الامن والعمل والخدمات وانتشار وباء الفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة منذ 2003 وعدم وجود الجرأة في محاربته بسبب تسلط بعض القوى على مواقع القرار بالرغم من الوعود والتي لم تحرك ساكنا في هذا الخصوص تحديدا.
منذ 8 اسابيع وفي عز أيام الحر في صيف لاهب من أيام الجمع يتظاهر الشعب من اجل محاربة الفساد والذي هو سبب كل المآسي التي يمر بها العراق. لقد وعد رئيس الوزراء بعد الانطلاقة الاولى لتلك التظاهرات بمحاربة الفساد وتقديم الفاسدين الى العدالة لكن ما اقدم عليه السيد العبادي هو نقطة من بحر ولكنه لم يأتي على قضية الفساد المسار لا من قريب ولا من بعيد لا بل تحدى إرادة الشعب عندما طالبوه بتحرير القضاء من الفاسدين فهب عندها واعتبر مدحت المحمود خطا احمر لا يمكن الاقتراب منه وكذا فعل هادي العامري وابو مهدي المهندس ولا يعلم احد ما صفة الاخرين من محاسبة رأس الفساد في القضاء من عدمه لكن وكما يقول اكثر المحللين إن بعض الرؤوس في اعلى هرم السلطة هم من يعرقلون محاسبة أو اقالة المحمود من منصبه لان في ذلك فضح ملفات للفساد قد وضعت تحت الموائد وفي سراديب المكاتب للتغطية عليها. ولكن دخول بعض الكتل الاسلامية والسياسية الى تظاهرات ساحة التحرير كان وبلا شك من اجل غض النظر عن ملفاتهم وكأنهم هم من دعوا اليها لسحب البساط من تحت اقدام الشباب المدني ولم يألوا جهدا، الاسلاميون،في التعدي على بعض الشباب واما مرأى القوات الامنية وفي بعضها تدخلت الاخيرة ولكن أين العقاب من كل هذا؟ هل يريدون اعادة "حفلات" قوات سوات كما كانت في 2011 وحيث رجالات السلطة الاسلاسياسية يتفرجون من الطوابق العليا للمطعم التركي كيف"استبسلت" قواتهم السواتية على المتظاهرين السلميين؟ وبعدها اعتقلوا مجموعة منهم واخيرا قتلوا بالكاتم الاعلامي هادي المهدي. في خطابه الاخير السيد العبادي، وربما كثُرت في الآونة الاخيرة كسلفه، قال "إن صيحة التظاهرات إنذار غير مزعج ويعطينا تحذيرا للهرب من الحريق" ولكنه لم يقل لماذا اعتقل بعض المتظاهرين. واضاف :"إن ذلك يتم من خلال تعديل المسار السياسي ومعالجة التفاوت في الرواتب والامتيازات" لكنه ايضا تناسى إن المعضلة ليست في الرواتب والامتيازات وانما في الفساد الذي لم يقترب منه لحد الآن. فكيف يتجنب الحريق وهو لم يحارب الفساد والذي لن يقل خطورة من الارهاب لابل هو المشجع له. ويشير وبوضوح انه من المقربين له ينون الانقلاب عليه بسبب خسارة البعض من امتيازاتهم. اذن يعلم علم اليقين من هم المتربصين به وهم رأس الفساد العفن ولم يزل يراوح في مكانه في هذا الشأن. تعديل "المسار السياسي" او تصحيح العملية السياسية ،النظام ككل، كلاهما يعطي نفس المعنى لكن الاجراءات يجب ان تكون جدية وغير قابلة للتأويل والمراوحة في نفس المكان.
بدأ اكثر المسؤولين بالنهوض من فراش النوم العميق ليركبوا موجة الاصلاحات ومحاربة الفساد ولكن الجماهير لم تكن غافلة عنهم فهم رأس الفساد وهم من يعرقلون اية اصلاحات قد تقّوم بعض الاخطاء في العملية السياسية. فقد تحدت الجماهير كل الحواجز لتقيل بعض المحافظين وتنشر فسادهم وإثراءهم الغير قانوني. لكن بعض الجهات الرسمية "تحتفل" بتقديم موظف أو عضو مجلس محافظة للنزاهة بسبب صرف مليون دينار، اكرر، دينار بدون تقديم وصولات عن وجهة الصرف. حسنا الدينار والدولار أو اي مبلغ مهما كان تافها يجب ان يقدم تقرير بصرفه لكن هل هذا هو البلاء في العراق من هذا المبلغ ام ان مليارات الدولارات التي هُرِّبت هو أس ،الوباء، الفساد؟ حالة هنا وأخرى هناك لا تقدم ولا تأخر لكن الكارثة ليست في رقم بسيط من الدولارات وانما في ال54 مليار التي صرفت على الكهرباء دون ان يلمس المواطن تقدما في هذا المجال. البطاقة التموينية في تراجع. النازحون في اسوأ ظروفهم في العراق صيفا وشتاء، البطالة انتشرت وليس هناك تعينات للخريجين. شركات وهمية لأهل وأولاد واقارب المسؤولين تلعب جولات في البذخ وسرقة المال العام. ابناء المسؤولين ليس للقانون من سلطة عليهم. انتشار الميليشيات وامتلاكها الاسلحة لتحكم الشارع مما دعا بعض المراجع الدينية اليوم ان تطلب الحد من انتشار مثل هذه الظاهرة الخطيرة وحصر السلاح بيد الدولة. انتشار البيوت الخاصة ببعض الميليشيات وهي مملوءة بالاسلحة وكأننا في زمن صدام الفاشي.شوارع تغلق لمجرد وجود بعض من اهالي المسؤولين حتى من الدرجة الرابعة. حمايات تكلف الدولة 6 مليار دولار سنويا ،حسب ما قاله القاضي وائل عبداللطيف وتعدادها يعادل 3 فرق عسكرية كما قالها اليوم العبادي والحكومة تستدين من ثلاث بنوك عالمية 6 مليار دولار بفائدة 10،37%. هل هذا الرقم الفلكي لتغطية تكلفة الحمايات الشخصية لثلة من العاطلين عن العمل في حقبة المعارضة لنظام صدام والان اصبحوا اكثر من مهمين ،أم انهم يخافون الشعب وليس الارهاب؟ توقف اهم المشاريع التي تخص حياة المواطن واهمها مشاريع الماء الصافي والذي اسدل الستار عنه بالرغم من كثرة الحديث عنه بقرب افتتاحه في فترة المالكي أما الآن فالعراق كله يشرب من المياه الملوثة وليس غريبا ان ينتشر وباء الكوليرا في بعض المحافظات وفي مقدمتها بغداد. يتبجحون بان مشروع الرصافي هو اكبر مشروع في الشرق الاوسط وثاني اكبره في العالم ولكن على الشعب العراقي ان ينتظر اعوام لحين اكتماله لان امواله قد هُرّبت وليس هناك من يسأل اين ذهبت الاموال ومن هو المسؤول عن توقف المشروع"الاكبر" في الشرق الاوسط. ولو انجزوا مشروعا اصغر بكثير لكان فائدته اكبر من كذبهم المتواصل بأننا اصحاب اكبر المشاريع في العالم والسراق ينتظرون فرصهم لسرقة الاموال المخصصة لها.
في مقابلة وعلى الفضائية العراقية كان قيس الخزعلي ضيفا "لتقصي" الحقائق منه. فهو رد التهم الموجهة اليه باختطاف العمال الاتراك و"ادان" العملية لكنه حمّل الجاني التركي التدخل في الوضع الداخلي العراقي عبر ارسال ارهابيي داعش عبر سوريا. هي كلمة حق يراد بها باطل ،على ما اعتقد، لان العمليتين مدانتان ولا يمكن تبرير اي منهما وظل يتكلم عن تركيا اكثر مما تكلم عن جريمة خطف الاتراك والتي ،يعتقد هو، انه ليس مهما اصدار بيان حول ذلك جوابا لسؤال من مقدم البرنامج. قال انه علّق مشاركة العصائب في التظاهرات بسبب تعدي الشباب المدني على الدين من خلال شعارهم: "باسم الدين باگونا الحرامية". هكذا اعتدى المتظاهرون على الدين. لكنه لم يستطع ان يفسر الشعار بغير هذا التوصيف واستنكر على وجود كلمة الدين. لكنه توضح من قوله انه وجماعته ربما هم من ارسلهم المالكي ليضربوا المتظاهرين بالآلات الحادة وتهديد البعض منهم الى وصل الامر باعتقال البعض منهم. عندما يتكلم اسلاميو العراق الحالي عن الديمقراطية والدستور الذي يكفل التظاهرات عندها يقولون كل المطالب مشروعة لكنها تتطلب وقتا طويلا، لكنهم نسوا ان تقديم الفاسدين الى القضاء وهم معروفون وملفاتهم موجودة امام القضاء ولا يتطلب اكثر من تقديمهم الى المحاكمة. الان يجري الكلام عن تراجع بالغاء قرار العبادي حول إلغاء نواب الرئاسات الثلاثة وقرار ازاحة مدحت المحمود غير قابل للنقاش لانه خط احمر بالرغم من مطالبة الجماهير والمرجعية الدينية بهذا الخصوص ولاكثر من مرة وكأن العراق قد فقد كل قضاته مرة واحدة من خلال الهجرة الجماعية للمواطنين العراقيين الاخيرة.
حسنا فعلت تنسيقيات الحراك المدني بتأجيل تظاهرة يوم الجمعة القادمة بمناسبة حلول عيد الاضحى ولتعود وبزخم اكبر في الجمعة التي تلي الاعياد لان استمراريتها ضرورية وملحة من اجل فرض واقع على الحكومة في اصلاح النظام اما ان تُفَعّل اقوالها او ان تتنحى .يحاول حزب الدعوة تحديدا وعبر ملاكاته البرلمانية ان يصعدوا من مخاوف الناس البسطاء بان المتظاهرين يريدون تغيير النظام الاسلامي في العراق وهذه اكذوبة لا تنطلي على جماهير العراق المنتفضة ومما يدل على خوف المتضررين من اي اصلاح جذري قد يحصل في الايام القادمة ولذلك يضعون عصا التأخير في عجلة التغيير. البرلمان لم يستطع ليومنا هذا ومنذ اندلاع التظاهرات السلمية ان يقر قانونا مهما في مصلحة الشعب ما عدا بعض القوانين التي تعتبر ثانوية قياسا لما يمر به العراق من محاربة الفساد والارهاب وتخلف العبادي من الحضور الى البرلمان يعد سابقة خطيرة تذكرنا بما قام به سلفه من عناد لعدم امتثاله بالحضور لطلب البرلمان في استضافته.
تحية لأبطال ساحة التحرير من اجل اصلاح النظام ،في القضاء على الفساد والمحاصصة الطائفية والقومية، ككل وخصوصا القضاء وكشف الفاسدين مهما كانت تسمياتهم.
وكل عام وانتم والعراق بخير