المنبرالحر

فضالة المعيدي / د. مؤيد عبد الستار

من الامثال الشائعة في العراق قولهم : فضالة المعيدي ، دلالة على ان المعيدي اذا اكل الطعام عند مضيف، يترك في انائه شيئا من الطعام ، بقية ، فضله ، حتى ذهبت مثلا .
ويضرب المثل احيانا للسخرية من هذه الحالة ، على اساس ان المتبقي من الطعام لا قيمة له ، فلا المعيدي اكله ، ولا احد يأكله بعده .
قد لا يجهل احد ان المعدان من اقوام العراق القديمة ، عاشوا في الاهوار وعلى ضفاف شواطئ انهار واهوار ملتقى دجلة والفرات وسط وجنوب العراق ، واشتهروا بتربية الجاموس وزراعة الشلب واستثمار القصب والبردي في تشييد الاكواخ والبيوت والصناعات اليديوية المحلية ، بل حتى الصناعات الغذائية مثل حلوى الخريط التي تصنع من طلع البردي الذي يجمعوه اوائل شهر مايس ويصنعوه على شكل حلوى بطرق التسخين والتبريد البدائية .
هذا بالاضافة الى شهرتهم في صناعة القيمر ، الذي يصنعوه من حليب الجاموس وهو اشهر قشدة عراقية شكلت الطبق الرئيس في فطور العراقيين صباحا. وتفنن العراقيون في تناول القيمر مع المربيات ودبس التمر اوخلطه مع العسل و رقائق الكاهي - نوع من المعجنات – وتناوله صباحا في محلات مشهورة ببغداد مثل كاهي سوق الخفافين قرب المدرسة المستنصرية التاريخية .
ارى ان ترك المعيدي قليلا من الطعام في صحنه - بعد ان ينتهي من اكل وجبة الطعام - حتى وان لم يشبع حين يكون في ضيافة احد ، هو من الاخلاق النبيلة التي يتميز بها هذا الانسان العراقي الاصيل ، فهو لا يريد احراج مضيفه لئلا يكون غير قادر على تزويده بالمزيد من الطعام ، فيظهر له حتى وان كان جائعا، انه شبع مما قدمه له بدليل بقاء شيء من الطعام في صحنه الذي قدمه له مضيفه .
طبعا يكون هذا في سياق الماضي وليس الحاضر، اذ ان توفر الغذاء في الوقت الحالي يجعل من هذه المبادرة ، الفضلة في صحن الطعام ، ليست بذات قيمة ، ولكن اذا حسبنا ظروف الناس في الماضي وعلى الاخص حين يكون الطعام عزيزا ، وليس بالوفرة التي عليه اليوم ، ندرك قيمة العادة التي يمارسها المعيدي، والتي يجهلها البعض من الاقوام التي لم تعرف العيش في الوسط العراقي وعلى الاخص تلك التي وفدت على مناطق المعدان وتعايشت معهم واصبحت متداخلة مع هذه الاقوام العراقية القديمة ولكنها ظلت تنظر اليها نظرة متعالية حتى اليوم ، فتستخدم احيانا مصطلح المعيدي للتمييز والتقليل من شأنهم .
ومثل هذا ما يستخدمه البعض من تمييز في نعت المواطنين بالشروكية ، للتمييز والحط من شأن اقوام عراقية اصيلة من شعوب بلاد الرافدين تعرضت للغزو منذ فجر التاريخ وظلت تدفع الثمن غاليا حتى الوقت الحاضر .