المنبرالحر

يدعو..! / قيس قاسم العجرش

دعونا نعترف اولاً بالأخطاء التي ارتكبتها الصحافة خلال عصر» التغيير».
الاعتراف بهذه الاخطاء هو جزء من الحل.
دعونا ايضا نعترف أن الشيء الكثير من صحافة هذا الزمان قد تعرّض للتشويه عمداً او عبر قلّة الخبرة.
في النهاية وصل منتج سيء الى القارئ او الجمهور، و ساهم في تشويه كلّ صورة الصحافة ووصَمَها بأخطاء الجُزء المشوّه.
وإلا لنسأل أنفسنا أولاً: متى صارت «دعوة» رئيس كتلة برلمانية وزعيم حزب كبير في شأن سياسي خبراً؟ متى صار «كلام!» النواب خبراً؟ مفهوم الخبر هو أنه النص المسموع أو المقروء أو المرئي الذي يوجب ترك أثر معرفي على المتلقّي، أي ان المتلقي يخرج بعد سماعه الخبر أكثر معرفة بموضوع ما.
لكن الوزر تتحمله «وكالات» الانباء التي أخذت تتعامل مع تصريحات المسؤولين والنواب بطريقة متراكبة الأخطاء، أولاً تحسَب أن كلّ ما يتفوّه به النائب هو خبر..وثانياً تتعامل مع النائب المعني بلا ذاكرة، أي انها لا تسأله عن اجراءات أو سوابق تتعلق بالموضوع نفسه، كما انها لا تستوقفه لتسأله لماذا لم تسلك الطريقة الأصولية في البرلمان لتحقيق ما «تطالب» به الآن؟
باختصار، انهم لا يعنون بالتأكيد ما يدعون له، وإلا لم يمنعهم احد من استخدام صلاحياتهم البرلمانية (وإمكانيات أحزابهم وممثليهم الذين يشغلون المناصب الحكومية) من أجل تحقيق ما «يدعُون» له أمام شاشات الفضائيات وفي نصوص الوكالات.
وباختصار أيضا، فقد توفر سياسيون سيّئون وصادفتهم صحافة ببغائية ممحوّة الذاكرة، فظهر لدينا ما يمكن ان نسميه « الأخبار الخيرية!» وهي الاخبار التي تحمل دعوات أكثر السياسيين نفوذاً لعمل الخير والى ما فيه مصلحة الشعب. وكأن الشعب يمنع التقدّم عن نفسه بنفسه وهو من يُفسد الاداء الحكومي، وفي النهاية سنعود الى حلقة جديدة من مسلسل « فساد بلا مفسدين»! نسمع بالفساد دون أن نرى مفسداً واحداً وقد شخّصته دعوات الخير التي تنقلها الاخبار الخيرية.
كلمة» يدعو» لا تليق ابداً بسياسي له نفوذ وله ممثلون في الحكومة وعشرات البرلمانيين من كتلته ينفذون بالحرف ما يأمرهم به.
وهي في نفس الوقت، كلمات لا يليق ان تنقلها وسيلة اعلام بلا تفاصيل، وتتركها مبهمة عائمة وبلا مسؤولية.
يرغب هؤلاء السياسيون في عدم تحمّل أي مسؤولية أمام منابر الاعلام، وهم يمثلون دور» يدعو» بينما يركضون ماراثونياً خلف أي مسؤولية متاحة، من أكبر مناصب الوزراء الى مناصب مدراء المدارس! هؤلاء مستعدون ان يتقاتلوا من أجلها ..وهو ما يفعلونه عملياً منذ أكثر من اثني عشر عاماً.