المنبرالحر

فرصة قد لا تعوّض !/ محمد عبد الرحمن

المعارضون ، بل المعادون لعملية الاصلاح ، كثيرون. وهم ليسوا الفاسدين فقط ، بل ايضا من تضررت مصالحهم او في طريقها الى ان تتضرر. لذا فمن غير المستغرب ان يصب البعض جام غضبه على التظاهرات، ويمنّي النفس بانحسارها حتى يستطيع ان يتنفس الصعداء. فالمتظاهرون هتكوا الاسرار، وكشفوا ما اخفاه الفاسدون والمتلاعبون بالمال العام تحت اسماء وعناوين عدة .
على ان ما يخيف طابورالمذعورين هو التوجه الواضح والصريح للمتظاهرين للقضاء على اس البلاء ، ونعني المحاصصة الطائفية - الاثنية المولدة للازمات، والتي غطت على الفساد والمفسدين، وادت الى تعطيل النمو والبناء واهدار موارد كبيرة ضاعت في سواقي الرشى والكومشنات والعقود الوهمية وشراء الذمم والاصوات . وكان لسوء ادارة البلد، وضيق افق البعض وعقليته المتحجرة ، والاعتماد على زمر الطبالين ووعاظ السلاطين والمنافقين والمرتزقة، دور في مفاقمة اوضاع البلد وتمكين داعش من السيطرة على ثلت مساحة عراقنا .
ولا ريب في ان خطوات رئيس الوزراء، على ما عليها من ملاحظات جدية ، زعزعت اسس المحاصصة وانتزعت احجارا من حيطانها ، لكنها لم تقض عليها. بل ان ما حصل هو جزء صغير قياسا الى حجم عملية الاصلاح والمطلوب انجازه ، ولن يرضي طموح المتظاهرين الا زوال اسباب التدهور الذي يعاني منه البلد على مختلف الصعد .
المذعورون من شعارات مكافحة الفساد ، واصلاح النظام السياسي بعيدا عن المحاصصة المقيتة، وبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات ، وتوفير الخدمات ومستلزمات الحياة الكريمة .. يراهنون على عامل الزمن واعتدال الجو ، وعلى تعب المتظاهرين ووهن ارادتهم. لكن خلال الاسبوع الماضي انقلبت الطاولة في وجه المذعورين والمشككين بالدخول القوي للمرجعية على خط دعم التظاهرات ودعوتها الصريحة الى اجراء اصلاح حقيقي ، وتجديد المتظاهرين في ساحة التحرير وساحات الحرية في مدن الوطن الاخرى ، يوم امس الاول الجمعة ، ثباتهم وعزمهم على المواصلة. فاخرست الاصوات الشامتة مسبقا ، وفتحت آفاق جديدة امام الضغط الشعبي الهادف الى وضع عملية الاصلاح في مسارها الصحيح ، والاستجابة لارادة الشعب في تحقيق التغيير المنشود.
نعم ، كانت الجمعة الاخيرة متميزة بحق ، ولقنت المذعورين درسا بليغا آخر ، واكدت من جديد ان ارادة الشعب وعزيمته ، وسلامة المطالب وشرعيتها ، وواقعية التوجه ، وسلمية الاسلوب وقانونيته ، اقوى وأمضى من تهويشات البعض وافتراءاتهم .
الناس قالت كلمتها بوضوح ، والحناجر صدحت منادية بالاصلاح والخلاص من رموز الفساد ، والكرة الان في ملعب رئيس الوزراء ، المدعو الى الاقدام على خطوات جرئية تتناسب مع ما اوكل اليه الشعب تنفيذه من مطالب مشروعة .
انها الفرصة التي قد لا تعوّض ، والتي على الجميع ان يحسنوا استثمارها .