المنبرالحر

النظافة من الإيمان / عبدالسادة البصري

هناك وفي أقصى جنوب القلب، عندما كنت صغيراً كان أبي عامل الميناء يوصيني وأخوتي دائماً ،بعد كل وجبة طعام، بجمع فتات الطعام وما تساقط منا أثناء الأكل لأخذها الى مكان رمي الفضلات، وهو عبارة عن علبة صفيح (تنكة) تجمع فيها الأوساخ والقمامة لترمى بعد ذلك في برميل كبير أمام البيت ، أو تُطمر في الأرض.
العملية الأخيرة كنا نقوم بها لأننا نسكن في قرية جنوب مركز المدينة ، أما البراميل فكانت أمام بيوت الموظفين الكبار.
كانت الفاوــ مدينتي ــ عبارة عن عراقٍ مصغر وحضاري جداً ،تضم جميع الطوائف والأديان وفئات المجتمع على اختلافها، ويأتيها الناس من كل مكان باعتبارها ميناءً. كما تحتوي عددا من دور السينما والمكتبات والحدائق والمتنزهات والنوادي الاجتماعية أيضاً. لاحقا نزحنا منها هرباً جراء حرب الثماني سنوات اللامعنى لها وسكنا مركز البصرة ،فكانت مثلما الفاو وأكثر ،تضم كل ما يوحي بالمدنية والتحضر إضافة الى نظافة شوارعها وأزقتها وعذوبة مائها.
قبل أيام دُعيت الى مدينة عبادان للمشاركة في مهرجان أدبي وفني يُعنى بقصيدة النثر العربية هناك، وعبادان قريبة جدا من مدينتي البصرة حيث تقع قبالة ناحية السيبة، وقد تعرضت لخراب ودمار نتيجة الحرب كما البصرة والفاو وبقية المدن الحدودية أيضا. أنا لست بصدد الحديث عن هذا وذاك لكن وددت فقط أن أسجل ما شاهدته من عمران ونظافة وحدائق وماء عذب في عبادان لأقول : لماذا الاعمار متلكئ في مدينتي، والأوساخ والقمامة تملأ الشوارع والأزقة والأسواق، والماء مالح وملوث ؟
أليس من الأجدر بنا أن نشيع ثقافة النظافة في كل مكان ،ونجعل من شوارعنا وأزقتنا وأسواقنا حدائق غناء تزهو بكل ما يشرح القلب ويسر الناظر؟!
وأن نعلم أنفسنا وأبناءنا إن نظافة المكان من نظافة قلوبنا وأبداننا وملابسنا؟!
فالنظافة تعني الإيمان بكل ما هو خيّر وجميل وإنساني في هذا الوطن، لأن نظافة المظهر من نظافة الجوهر. ما الضير إذا جمعنا الأوساخ والقمامة ورميناها في المكان المخصص لها ،وقمنا بتنظيف أرصفة الشوارع والأسواق والمتنزهات من مخلفاتنا فنعكس صورة تحضرنا وانتمائنا الحقيقي للوطن والناس، لا أن نترك مخلفاتنا مرمية هنا وهناك معتمدين على عمال النظافة فقط لرفعها.
علينا أن نتساعد جميعا نحن والعمال على رفعها وجعل مدينتنا جميلة وزاهية ، لا أن نترك كل شيء يفسد أمام عيوننا دون إصلاحه. فالمدينة أولا وأخيرا مدينتنا ورقيها رقينا ، أتمنى أن لا تكون هذه مجرد أمنيات نكتبها ونحكيها هنا وهناك وكأنها (مجرد كلام حجيته ومشيت ).