المنبرالحر

آن الأوان لتفعيل قانون "من أين لك هذا ؟ "/ محمد موزان الجعيفري

شرعت الحكومة العراقية بعد ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 قانون (من اين لك هذا؟) لمحاسبة العناصر الذين سولت لهم انفسهم السرقة والثراء غير المشروع من اموال الدولة. وهو قانون اصلاحي يهدف الى المحافظة على المال العام والحد من الفساد آنذاك والذي كان بمستوى بسيط قياسا بالفساد المالي اليوم، الذي ضرب جميع مفاصل الدولة وخاصة في السنوات العشر الماضية حتى اصبح هو والارهاب وجهين لعملة واحدة. وبنفس الوقت اصبح مغذيا للارهاب فعطل جميع توجهات الدولة للتقدم في مختلف مضامين الحياة.
وبعد ان بلغ السيل الزبى عندنا اليوم تم طرح هذا الشعار في تظاهرات الجمع الماضية وسيستمر رفعه في الجمع المقبلة. كما ان المرجعية الرشيدة ايدت بقوة هذا المطلب الجماهيري واكدت عليه مرات عديدة، وطالبت بمحاسبة حيتان الفساد المبرمج الذي تسبب في هدر المليارات من المال العام ووصل بالبلاد الى شبه الافلاس، في وقت يعاني فيه المواطن العراقي البسيط من وصول المستوى الخدمي والمعيشي والامني الى ما دون الصفر. وهذا في ظل استمرار الحرب ضد داعش واستنزافها لموارد مالية هائلة تقتضيها طبيعة المعركة. وكذلك لمواجهة التحديات الاقتصاد?ة والمالية الكبيرة وما انكشف من انعدام العدالة في توزيع الثروات والاختلال الواضح في معدلات الدخل القومي للفرد العراقي، وعن سر التذمر الشعبي من هذا الاختلال الصارخ والتناقض الحاد بين فئتين، الاولى تعيش فوق مستوى الغنى والاخرى وهي الاكثرية تعيش تحت مستوى الفقر او على حافته، وهم اكثرية الشعب العراقي الذي انتفض اخيرا مطالبا بالاصلاح وتحقيق العدالة وتقليل او ازالة الفوارق الطبقية التي اوجدتها الآليات القانونية والممارسات الحكومية الخاطئة وقلة الخبرة في ادارة الحكومة العراقية في تجربتها الديمقراطية الفتية.
ان من غير المعقول ان يعيش الملايين من ابناء الشعب على فتات الموازنات الريعية التي كانت في بعض الاوقات انفجارية وكانت تخصص منها مبالغ فلكية لطبقة سياسية محدودة، تضاف اليها امتيازات ومنافع ورواتب الحمايات وغيرها، ناهيك عن المال السياسي وصفقات الفساد والمقاولات التي تدار بها اللجان الاقتصادية التي تشكلت في بعض الاحزاب ومايتبعها من مكاتب ومؤسسات واذرع ميليشياوية واعلامية. ما جعلها لوحدها تعيش في بحبوحة الاقتصاد الريعي وتكون المنتفع الوحيد منه، الامر الذي جعل الشعب ينتفض ورئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي يطرح ?زمة من الاصلاحات لتقليص والغاء هذه الفوارق الكبيرة التي لم يعهدها المجتمع العراقي من قبل.
لقد اثرت الطبقة السياسية بفضل المنافع والصفقات طيلة السنوات الماضية على حساب المال العام واصبحت لها فروع عديدة واذرع، ما يتطلب من الحكومة ومن رئيس الوزراء خصوصا ان يفعّل قانون ( من اين لك هذا؟) وبشكل جدي وان يضع لجانا خاصة امينة تتحرى عن المال العام وآليات هدره في السنوات الماضية. خاصة ان السيد العبادي وعد اكثر من مرة بملاحقة حيتان الفساد ووضعهم خلف القضبان، وكذلك المرجعية والجماهير تؤكد على ذلك كل جمعة ومن الضروري العمل على استرداد الاموال المهربة خارج العراق لا سيما ان حكومتنا قد وقعت على اتفاقية دولية ت?يح لها ملاحقة الفاسدين واسترداد الاموال المسروقة من اي مكان في العالم.
لقد آن الاوان لتطبيق هذا الشعار بحزم وجدية كي ننظف بلدنا من حيتان هذا الفساد الذي دمر البلاد، وحتى نرى هؤلاء الفاسدين يحاكمون في محكمة جنائية عادلة تعيد اموال العراق المنهوبة الى خزينة الدولة وتقضي على المفسدين وتطلق عجلة التقدم في البلاد الى امام.