المنبرالحر

قرب فندق بابل / ابراهيم الخياط

د.جابر العطا، طبيب وواحد من مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية. ولد في النجف الأشرف عام 1930، وتخرج فيالكلية الطبية عام 1956. انتقل إلى ديالى عام 1967. حصل على الدبلوم عام 1971 وعلى الاختصاص في الطب الباطني عام 1976. كانت عيادته معروفة لأهل بعقوبة في شارع الأطباء، ولطالما قصدته عوائلنا لطيبته وتواضعه وبساطته وأريحيته والتزامه، فضلا عن حسن تشخيصه العلل.
ذات مرة افتقدته المدينة ثم سرعان ما شاع خبر اعتقاله. وكانت الاعتقالات شائعة أواسط الثمانينات. لم يستغرب أهل بعقوبة أن يحكم عليه بالمؤبد، لان النظام كان مسعورا، وقد أمضى د.العطا خمس سنين في سجن «أبو غريب» ومعه رهط من آل بيته المحكومين أيضا، منهم ولده الطالب في كلية الهندسة وابنته الطالبة في كلية العلوم. وما أنقذه هو العفو العام بعد احتلال الكويت، فيما ذهبت أمواله المنقولة وغير المنقولة في لجّة المصادرة.
بعدذاك انتبذ بغداد سكنا وعيادة، حتى رحيله قبل سنوات ثلاث اثر إصابته بجلطة دماغية وشلل نصفي، فارتفعت لوحة دَلالة في الكرادة ـ تقاطع الزوية قرب فندق بابل، مكتوب عليها (ساحة جابر العطا رحمه الله). واللوحة من شكلها تشي بأنها من أعمال مديرية المرور العامة، وهذه المديرية لا تخط قطعة عامة في الساحات والتقاطعات دون أمر بالتسمية من أمانة بغداد. أي ان القطعة المنتصبة هي قطعة حكومية بامتياز وليست تسمية خطت بتدخل من مقر حزبي قريب، كما يحدث عادة.
ولكن في كل البلدان، وهذه سنة وتقليد، أن الأماكن العامة تكون مسميات لأسماء الرموز والمناسبات العامة حصرا، أماالمناضلون ـ عدا الشهداء والقادة الشعبيين ـ فغالبا ماتكرمهم أحزابهم بإطلاق أسمائهم على القاعات في مقراتهم، أو على المنظمات في تنظيماتهم، أو على الدورات في نشاطاتهم، سواءً كانوا إسلاميين أم قوميين أم شيوعيين وديمقراطيين. وهنا لا أبخس حقّ الرجل العطا، وشاهدي أني ترجمت له. ولكننا لسنا في بلد ما في آخر العالم، بل نحن في أرض عريقة مقدسة نابضة سخية، تقدم الشعر والفكر والخبز والشهداء معا، وعلى وصف مظفر النواب:
«ما أظن أرضا رويت بالدم والشمس
كأرض بلادي
وما أظن حزنا كحزن الناس فيها»
فلو أطلقنا اسم كل مناضل على ساحة من ساحات بغداد، لنفدت الساحات ومعها الشوارع وما انتهت الأسماء المشرقة!.
ثم لماذا الانحياز لأسماء مناضلين من حزب معيّن وغضّ النظر عن أسماء قرينة مضيئة من الأحزاب الأخرى؟ وثم هل تبخرت او انتهت أسماء الرموز الفكرية والعلمية والثقافية البغدادية الثرة؟
وبالمناسبة .. هل تدري أمانة بغداد أن حكومة ألمانيا(الرأسمالية) تطلق ـ الآن ـ دون وجل أو حساسية أو إقصاء اسم كارل ماركس وهو (أبو الاشتراكية) على 17 موقعا ومنشأة وشارعا ومعهدا وساحة ومعملا ومتحفا وملعبا في برلين (الامبريالية) وحدها؟!