المنبرالحر

التحالف الرباعي: ما له وما عليه ( 1 -2) / ابراهيم الحريري

تمهيد
أثار الاعلان عن التحالف الرباعي، الذي يضم روسيا وايران والعراق وسوريا، وبالتبعية، خامسهم"حزب الله"، اثار ردود فعل، هي من التشابك والتعقيد بقدر ما عليه الوضع في العراق، الذي تكاد الأزمة المستعصية فيه تنتقل من ازمة حكم ونظام، بالأحرى ازمة نظام حكم، الى ازمة وجود، بل زادتها تعقيدا، وينطبق الأمر على المنطقة بكاملها.
حاولتُ، قبل ايام، فتح نقاش حول هذا الموضوع على صفحتي على الفيسبوك. لكن بالرغم من ان هذه الدعوة لقيت الترحيب، لكن احدا من الذين رحبوا لم يبادر الى فتح باب النقاش، لعله بسبب حساسية الموضوع، تعقيداته و تشابكاته، فآثر العافية، وينطبق الأمر على بعض القوى السياسية، وهذا مفهوم...
لم اجد بدا من متابعة الحوار والنقاش حول هذا الموضوع على القنوات التلفزيونية وتصريحات بعض السياسيين العراقيين، سواء باسمهم الشخصي او باسم حركاتهم واحزابهم و منظماتهم.
قمت، من الجهة الأخرى، بإِجراء حوارات ونقاشات شخصية، حول الأمر نفسه، مع بعض الأصدقاء. هنا ايضا تعددت الآراء و المواقف، بل تعارضت وتناقضت، حتى بين المنتمين الى تيار سياسي واحد! وهذا، مرة اخرى، امر مفهوم، بسبب ما ورد آنفا من تعقيدات الموضوع وتشابكاته.
تختلف منطلقات المشاركين، سواء على القنوات التلفزيونية، او الحوارات الشخصية، بل تناقض، احيانا، نفسها! كما سيرى القارئ. وهذا، ايضا امر مفهوم، للسبب او الأسباب التي جرت الاشارة اليها.
سأحاول، في الحلقات القادمة، عرض الآراء المواقف، بهذا الصدد، وتلخيصها وتبويبها، و"فض الإشتباك" بينها، والكشف، قدر الأِمكان، عن علاقتها وتشابكاتها بالأزمة الداخلية، بترابطها وتشابكها مع الأزمات والصراعات في المنطقة.
هل سيتسع الجهد والطاقة وشمول الرؤية على وضع هذا كله في اطار الصراعات الدولية، وبين القطبين الأبرزين، روسيا وامريكا وتحالفاتهما؟
اشك في ذلك...
لكن لعله سيكون لي اجر المجتهد، اخطأ ام اصاب: حسنة واحدة ان اخطأ، اجر المحاولة، واثنتان ان اصاب، وهذا يكفيني، في الحالين... ...ويزيد!
(2)
موقف نكاية
ما ان اعلن عن عقد"التحالف الرباعي" حتى اندفع البعض الى تأييده، بل تجاوز التأييد الى اعلان الفرح (كما شهدنا عندما جرى بسط العلم الروسي على امتداد بضعة رؤوس، و هوما تحفظت عليه الجهات المنظمة للمظاهرة).
كان من الواضح ان هذا الموقف ينطلق من النكاية باميركا بدوافع مختلفة:
أ- الموقف العام، المتجذر، المعادي للامبريالة الأميركية، بسبب مواقفها المعادية لمسيرة العراق التحررية. و كل حركات التحرر والتقدم في العالم. دورها، على سبيل المثال لا الحصر، في انقلاب شباط عام 963، حرب الخليج الأولى، توريط الطرفين الإيراني والعراقي في الحرب وصب الزيت على نارها بالإنحياز الى هذ الطرف تارة والى الآخر تارة اخرى [صفقة الأسلحة الى ايران زمن ادارة ريغان فيما عرف فيما بعد ب"ايران كونترا"]، وذلك لأضعافهما معا، خدمة لأغراض التحالف الستراتيجي الأميركي - الاسرائيلي الذي ما يزال قائما، توريط صدام حسين في غزو الكويت ثم استعجال ضرب العراق وتدميره وارتكاب افظع مجزرة بحق القطعات العراقية المنسحبة [مجزرة صفوان] ثم فرض الحصار على الشعب العراقي وتجويعه سنوات طويلة، واخيرا لا آخر، غزو العراق بحجة امتلاكه لسلحة الدمار الشامل، وهو ما ثبت بطلانه فيما بعد - بعد ايش!؟ بعد خراب البصرة وكل العراق!
ومن ثم تحول القوات الغازية الى قوات محتلة، بقرار من مجلس الأمن، واطلاق يد ادارة الإحتلال في تشكيل الملامح الرئيسة للعراق المقبل، وأسوأها ارساء الحكم على اساس الممحاصصة الطائفية - الأثنية، التي تمهد، بحكم آليتها الخاصة، بالتدريج، لتقسيم العراق. وهذا ما نراه امام اعيننا، رغم انه تنهض، الآن، قوى شعبية تعمل من اجل اعادة بناء العراق على اسس مختلفة، مدنية، لكنها ما تزال في بداية الطريق.
ورغم انه نشأت بعد اسقاط صدام حسين ونظامه اوهام حول احتمال ان يسلك العراق طريقا آخر يستجيب لتطلعات الشعب العراقي الذي عانى من الحرمان، على كل صعيد، الا ان التطورات اللاحقة، اثبتت بطلان هذه الاوهام، ولم يمكن الا ان يكون الأمر كذلك، خصوصا بعد ان تطورت "الديمقراطية"، وفق الأسس التي ارستها ادارة الاحتلال، الى صراع على تقاسم السلطة والثروة بين مافيات مختلفة، ما ادى الى الوضع الكارثي، على كل صعيد، الذي يعيشه العراق، الآن، ولعل الآتي اسوأ...
ويذهب بعض المرحبين بالتحالف الرباعي ابعد من موقف النكاية والتشفي، اي الى تحليل السلوك الراهن للادارة الأميركية، ازاء مواجهة داعش خصوصا. فمن جهة، ثمة تراخٍ في ادارة المواجهة العسكرية الأميركية لداعش وتنويه باحتمال اطالة امدها، والسعي، من الجهة الأخرى، الى اضعاف دور القوات المسلحة العراقية، بما فيها الحشد الشعبي، في الأنبارخصوصا، والتركيز بالمقابل، على دور العشائر في المنطقة، تدريبها وتسليحها، والضغط باتجاه اقرار قانون "الحرس الوطني"، مما قد يؤدي، كما يتحسس البعض، الى وضع الأسس لتكوّن ميليشيا في المناطق التي سينشأ فيها الحرس. وهو ما يراه البعض، خطوة اخرى بإتجاه وضع مشروع تقسيم العراق، الذي تتبناه اوساط نافذة في الادارتين الأميركية والاسرائيلية، موضع التنفيذ.
ب - على الجهة الاخرى، ما تزال طريّة في الوجدان الشعبي مواقف الاتحاد السوفياتي السابق من العراق وقضاياه الوطنية. ويجري سحب هذا على السياسة الراهنة لروسيا الاتحادية، ومعارضتها، ومن ثم تحديها، للسياسة الأميركية. يشابه هذا الموقف، مع الفارق، اذا اردنا التبسيط، تشجيع ابناء محلة ابتليت بتسلط شقاوة، عدواني، خالع العذار، لشقاوة آخر يتصدى له، مع ان صراعهما قد يكون على من يتحكم بالمحلة وابنائها!
و مع اخذ هذه الحجج بالاعتبار، رغم انها يمكن، وينبغي، ان تخضع لتفحص ونقاش اوسع واعمق، الا انه يبرز هنا تناقض لافت:
كيف يمكن تفسير التقاء من يعارضون، بشدة، تبلغ احيانا حد العنف، الفعاليات المطالبة بالتغيير، دفاعا عن مكاسبهم، نهبهم وتسلطهم، مع بعض (اشدد على كلمة بعض) المطالبين بالتغيير، كيف يمكن تفسير التقائهم على الترحيب بالتحالف الرباعي؟
هذه احدى تعقيدات وتشابكات الوضع الراهن في العراق التي جرت الاشارة لها.
وهذا قد يقود الى طرح التساؤل التالي:
ما هي انعكاسات "التحالف الرباعي" على النضال الشعبي المتصاعد من اجل التغيير؟
امر يحتاج، بلا نقاش، الى تفكر وتدبر ونقاش من المعنيين.
لعل هذا سيكون مجاله في الحلقة او الحلقات القادمة.