المنبرالحر

فندق العروبة / قيس قاسم العجرش

على ساحل مقاديشو الصومالية، يطالعك بناء لم يبق منه سوى هيكل إسمنتي أبيض، وفيه ملايين الندب التي أحدثتها الاطلاقات النارية والقذائف. ذلك هو «فندق العروبة»، أبرز معلم في مقاديشو السبعينيات والثمانينيات.
نزل فيه بضعة رؤساء عرب وزعماء أفارقة ومبعوثين أمميين حينما كان من الممكن زيارة الصومال بطريقة طبيعية.
وحين غرقت البلاد في الحرب الأهلية مطلع التسعينيات وبدأت تظهر حركات التشدد الديني، أخذت بعض مصادر التمويل تنساب باتجاه الصومال بينما دعمت اثيوبيا نشوء اقليم شمالي انفصالي وهو جمهورية «أرض الصومال» وعاصمته هرغيسا التي شهدت استقراراً معقولاً قياساً الى باقي انحاء الصومال.
في تلك الايام كان الجنرال عيديد يتخذ من فيلا تقابل فندق»العروبة» مقرّاً له. وحين زارته الوفود لمباحثات السلام بدأ بتهيئة بعض اجزاء الفندق لاستقبالهم فيها.
بزغ نجم عيديد لأنه ادعى مقاومة الأميركيين، وفي كل ركن من هذا العالم الفسيح سنجد ممولاً يرغب بمنح المال لمن يقاتل الأميركيين. حدث هذا رغم ان الجنرال الدموي ثبتت مسؤوليته عن مجازر بشعة ارتكبت ضد قبائل صومالية مناهضة له.
لكن عيديد قتل عام 1996 ودخلت البلاد في أتون تنظيم» المحاكم الإسلامية» الموالي للقاعدة والذي استخدم شرفات الفندق لصلب والقاء عشرات الضحايا.
ثم حلّ عهد تنظيم «الشباب الاسلامي» الذي بزّ سابقيه في البشاعة والترويع. وتحولت مقاديشو الى مكان لصناعة التطرف وتصدير اللاجئين وإيواء القراصنة.
استقبلت دول كثيرة في الغرب لاجئين صوماليين على مدى 20 سنة، ومنحتهم الاقامة والرعاية الصحية والتعليم فضلاً عن الجنسية. الا ان عدداً منهم ما زال يحمل التطرف معه، فغادر الى الشرق الوسط والى العراق لينخرط في تنظيمات «داعش» من اجل ان «يسفك دماء الكفار!».
وكانت حادثة خلية أبو محمد الصومالي وخمسة من جماعته الانتحاريين مثالاً مهماً يستحق الدراسة، اذ جاء هذا الصومالي ومعه مجموعة انتحارية من كندا ليفجروا انفسهم ضد قوات حماية شعب كردستان في عين العرب (كوباني) العام الماضي.
صديقي الصحفي الفرنسي دييغو بورنيل، مقدم برنامج «لا تخبروا والدتي» الشهير، لم يتفاجأ حين قلت له ان عدداً كبيراً من الصوماليين يعودون الى الشرق الاوسط لأغراض» الجهاد!» وتفجير انفسهم.
دييغو كان عائداً للتو من مقاديشو حيث سجّل حلقة هناك وهو يطلعني على آخر صور فندق العروبة رمز الحرب المستمرة في الصومال. تذكرنا معاً رحلتنا الى الرمادي عام 2005 حين سألنا أحد أفراد الشرطة الواقفين في الشارع عن مقر القوات الأميركية (مقر قيادة عمليات الانبار لاحقاً) حينها أجابنا الشرطي بكلمات جادة..: « هناك..يم قصر السيد الرئيس تلكون المقر»!.