المنبرالحر

نوبل للأدب.. التحريض على الكراهية / محمد حيّاوي

فقدت نوبل للأدب بريقها وتأثيرها النقّدي منذ عقود، على الرغم من منحها لبعض الأسماء المهمة في السنوات الأخيرة، من امثال البيروي ماريو فارغا للوسا والتركي أورهان باموك، ومنذ منح الجائزة للكاتب الكولمبي الفذّ غابرييل غارسيا ماركيز في العام 1982، واللجنة تلهث للتكفير عن ذنبها سعياً لنيل رضا الغرب الرأسمالي، حتى منحها لكتّاب من امثال الصيني مو يان والروماني إيمري كيرتس جاء من باب ذَرّ الرماد في العيون، ذلك لأن هؤلاء جميعاً يعيشون في الغرب ويحرضون ضدّ أوطانهم، هذا السعي تجسد أكثر بجائزة نوبل للسلام، التي تحوّلت إلى مدعاة للسخرية والضحك حين منحتها لرؤساء وسياسيين تسببوا بشكل مباشر أو غير مباشر بقتل مئات الآلاف من الأبرياء وتدمير البلدان ومناصرة الأنظمة والحركات المتخلفة (اليمينة توكل كرمان إنموذجاً).
جائزة نوبل للأدب هذا العام مُنحت للصحفية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش (1948)، أقول صحفية وليست روائية أو أديبة، فقد عُرف عنها قلّة نتاجها الروائي وتواضعه وكثرة ريبورتاجاتها الصحفية والوثائقية، على الرغم من أن لجنة نوبل سوّغت منحها الجائزة بـ (دقّة أعمالها التوثيقيّة وقدرتها على تجنيس نمط جديد من الأدب!!..لجهة توظيف الوثيقة في السّرد)، وعلى الرغم من اللَبس الذي يثيره مثل هذا التوصيف على حساب الفن الروائي والقصصي الأصيل، فأَّنَّه يحيلنا في الوقت نفسه إلى مواقف الكسيفيتش السياسيّة والاجتماعيّة التي تنم عن دونيّة مريعة ازاء الغرب وطروحاته الفكرية. فهي غالباً ما تكيل التهم لمواطنيها من البلدان الأشتراكية السابقة، «لا يمكن مقارنتنا بهؤلاء القادمين من الغرب، فنحن مليئون بالكراهية والتّحامل»، هكذا تفكّك الكسيفيتش طبيعة علاقتها مع بلادها ومواطنيها، فهي ببساطة (منشقّة)، وهي مفردة تطلقها ماكنة الإعلام الغربي على من يبيعون أوطانهم في الغالب ويأتون بلباس الذل والخضوع إلى (جنّة الغرب)، وهي لا تُخفي هذه الكراهية والتّحامل بدورها حين تُسبغ تعريفاً مستمداً من القاموس الغربيّ الليبرالي، إذ تعدّ الاشتراكيّة والفاشيّة متساويتان لجهة قدرتهما على «التضليل والإغواء»، وهما، والكلام لألكسيفيتش، بمثابة «لحظة عمى»، كما تصف الإنسان الروسي المعاصر «إنساناً أحمر صغيراً يتابع عيشه مع إحساس طاغ بالهزيمة».
في الواقع لا يعدو منح «نوبل» لألكسيفيتش عن كونه محاولة بائسة لاعادة التذكير بالفكرة الرأسمالية الغربية الآفلة بأزاء المدّ اليساري والحركات اليساريّة المتجدّدة على جميع المستويات الأكاديميّة والفكريّة والأدبيّة في أوروبا وأميركا في السنوات الأخيرة، التي تنم عن تبلور ظاهرة اليسار الواقعي الجديد المطروح بقوّة كخيار ثالث بين قطبي اليمين المتطرف واليسار الثوري.
وبالعودة إلى ألكسيفيتش وكتبها التي مُنحت عنها الجائزة، نجد أن تلك الأفكار حاضرة بوضوح، لا سيما في كتابها قبل الأخير «وقتٌ مُستعمَل: زوال الإنسان الأحمر» (2013)، الذي تجسد فيه فكرتها عن الغرب المنصف وخطل فكرة الاشتراكيّة واستلاب الإنسان الإشتراكي وتحميل النظام مسؤولية سقوط الضحايا من الأطفال والنساء، بينما تبدو الفكرة الفاشيّة في كتابها هذا مجرد نمط معين لا ينبغي إدانته.
لا حصر لبذاءات ألكسييفتش وموبقاتها في الواقع، فهي لا تدّع مناسبة إلا واستغلتها بطريقة بشعة مجرّدة من الإنسانية، مثل تناولها موضوعة الحرب السوفيتية الأفغانية من وجهة نظر الغرب، (وكأن أفغانستان الآن أفضل حالاً من أفغانستان الاشتراكية)، وغيرها الكثير. وإذا كانت «نوبل» كمؤسسة قد سقطت سياسياً عندما منحت جوائزها للسلام لشخصيات مربكة ومختلف عليها، فأن سقوطها «الأدبي» هذه المرّة كان مدوّياً، عندما تركت كتّاباً كباراً من أمثال الياباني هاروكي موراكامي والكيني نجوجي واثيونج والتشيكي ميلان كونديرا والألباني إسماعيل قادري، مُعلّقين على قوائمها منذ سنوات ومنحت الجائزة لصحفية من الدرجة الثالثة كرّست حياتها المهنية لمهاجمة الأفكار الإنسانية وانساقت وراء الفكرة الغربية وسب الأوطان بشكل أعمى ومذّل.