المنبرالحر

الازدواجية والانتقائية مرضان يثقلان كاهل السياسيين / مرتضى عبد الحميد

يقال والعهدة على الراوي، ان امرأة جاءت الى احد المعممين، تستفتيه في شرعية حلم راودها في الليلة الماضية. فقالت له بانها حلمت بمشهد حميمي جمعها مع احد الرجال، أجابها عابساً ان ما حلمت به حرام في حرام. ولكن عندما اوضحت له بأن هذا الرجل هو أنت شيخنا الكريم، ابتسم ابتسامة عريضة وقال لها: المسألة فيها نظر، ومن الآن استطيع الحكم في هذا الحلم، بأنه جائز ولا غبار عليه!
العديد من ساستنا المتنفذين لا يختلفون في شيء عن هذا الشيخ، وبعضهم يفوقه دجلاً ونفاقاً لأن مصلحته الشخصية او الحزبية او الطائفية هي الاساس عنده، وحديثه عن مصلحة الشعب والوطن هو مجرد تدريب للسانه على مزيد من الكذب وغياب العقل والوطنية.
وهناك العشرات، بل مئات الامثلة على هذه الحالة المرضية، وآخرها على سبيل المثال لا الحصر، الموقف من الاتفاق الرباعي الذي اقحمت اسرائيل فيه، وبالتالي فهو كما عبر البعض يمثل انتهاكاً للضمير والمبادىء ويرقى الى مستوى الخيانة العظمى!
وكانت النغمة قد تبدلت عدة مرات خلال ايام قليلة. فردود الفعل الاولى وَصَمَتْه بالانتهاك السافر للسيادة الوطنية، والتدخل الفظ في الشؤون الداخلية للعراق. لكن هذا البعض وفي الوقت ذاته لا يطالب بضربات جوية وحسب، وانما بتدخل امريكي بري لتحرير الانبار وغيرها من المدن العراقية. وهذا ينطبق على الطرف المقابل ايضاً، فأية ازدواجية مقيتة يمارسها هؤلاء النابذون لمصلحة الجماعة، المستقتلون بضراوة لصالح الأنا؟
لست مدافعاً عن الاتفاق الرباعي، ولا عن التحالف الدولي، ولا احبذهما اطلاقاً، واتمنى ان يكون الحل عراقياً خالصاً لا نحتاج فيه الى طرف اقليمي او دولي، لان هذه الدول ليست جمعيات خيرية، وانما لها مصالحها الاقتصادية والامنية، واهدافها السياسية، وهي التي تحكم مواقفها وتحددها في المطاف الاخير. بيد ان مصلحة الوطن تقتضي البحث والتحري عن كل ما يفيدنا ويساعد على تحقيق طموحاتنا. سيما ونحن نعاني خللين رئيسين في هذا المجال، هما ضعف الجيش والقوات المسلحة العراقية عموماً، وعدم جدية قوات التحالف الدولي بقيادة امريكا في محاربة داعش، فضلا عن الصراعات السياسية العبثية. فإذا وجدناه مفيداً فبها، وإلا سنكون في حِلّ منه. وهنا لا نأتي بجديد اذا قلنا اننا ضد سياسة المحاور جملة وتفصيلاً.
اما الانتقائية فمرض آخر، ربما اكثر شيوعاً، اصاب اصحاب الشأن من دون استثناء، فالكل يحارب الكل، ويحول الابيض الى أسود وبالعكس، حتى في ابسط الامور، وأقلها نفعا لهم. ويأخذك العجب عندما تسمع احدهم له رأي في الصباح، وبعد الظهر يقول العكس، لان غريمه من القائمة الاخرى طرح رأياً يماثل رأيه، وهذا ينطبق على مواد الدستور التي أحالها هؤلاء الى مهزلة حقيقية، وعلى كل شيء في حياتنا السياسية النموذجية في خرافيتها.
متى نتخلص من هذه الامراض المعدية؟
الجواب في ساحة التحرير وباقي ساحات النضال الشعبي. فجماهيرنا قادرة تماماً على معالجتها، وستلفظ الفاسد والفاشل كما تلفظ النواة.