المنبرالحر

مزقتنا الضغائن / عبد السادة البصري

سألتُ أحدهم بعدما أخذ يُسيءُ ويشتمُ إنساناً لم يكن جالساً معنا ساعتها:
ــ هل أساء إليك فلان ؟! أجابني: كلا، فسألته ثانية هل تُحب أن يُساءَ إليك أو تُشتَم ؟!فقال بصوت عالٍ :ـ كلا،،كلا،، قلت له : اذاً، لماذا تُسيء للآخر، أو بالأحرى ما الذي يجبرك أن تكون مسيئاً وشاتما وعدائياً؟ كذلك ما الذي يجبرنا أن نُحَمل أنفسنا ما لا طاقة لها بهذا الكم الهائل من الضغائن والبغضاء والحقد والحسد والغَيرة على الآخرين ،ما دمنا لا نريدهم أن يحملوا علينا شيئاً ؟! ألم يكن الأجدر بنا أن نمتلئ بالحب والفرح والسعادة ونكران الذات لنشيع بين الناس جميعا ثقافة المحبة والوئام والتآخي ؟
لنلتفت إلى واقعنا ونفكر فيه قليلاً. بالتأكيد سنبصر أين وصلت بنا البغضاء ؟ وكيف مزقنا الحقد والطائفية والأنانية ، وما الذي حل بنا إثر التنافر والتنابز والتطاحن وتحميل أنفسنا ثقلاً كبيراً من الكراهية للآخر ؟!
نعم وطننا مزقته الضغائن، ودمرته الكراهية والطائفية التي جلبها لنا الحكام لحاجة في أنفسهم منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي ولحد هذه اللحظة، إنهم يضحكون في سرهم علينا وما نعانيه من أمراضٍ نفسية زرعوها فينا وغذيناها بأنانيتنا. فالضغينة والبغضاء والحسد والحقد والطائفية والأنانية وشتم الآخرين والإساءة إليهم، هذه كلها أمراض نفسية علينا معالجتها، وقد بث سُمًها فينا الحكام الفاسدون الذين لاهم لهم سوى زجنا في حروب وجعلنا متناحرين متفرقين كي يظلوا في طغيانهم وفسادهم ومؤامراتهم علينا وعلى الوطن.
عدت لصاحبي فرأيته ساهماً، ودمعة تترقرق في عينه ، ليقول لي : صدقت ، نحن لم نفكر بأن هذه الأمراض تغذيها أيادٍ لا تريد الخير لنا أبدا ، بل مصلحتها في تفرقنا وتناحرنا وتقاتلنا وزرع العداوة فيما بيننا. لقد نكأت الجرح وأشرت إلى الحقيقة التي من المحتمل أن تكون غائبة عن البعض لغشاوة وضِعت على عيونهم أو هم مرضى، إنهم زرعوا هذه الأمراض لا لشيء سوى تمزيقنا وتمزيق وطننا تشتيت شملنا ونهب خيراتنا.
وطننا يا صاحبي يحتاج أن نشيع فيه ثقافة المحبة والوئام والتآلف ونبذ الطائفية والعداوة والبغضاء لنبنيه طابوقة طابوقة بعد أن مزقته ومزقتنا الحروب والطائفية والأحقاد التي لا معنى لها ولا ينجم عنها سوى الأنهار التي تجري من دمائنا وخيراتنا المنهوبة وأعمارنا المسروقة.
دقيقة واحدة نتفكر في ما صنعت بنا الضغائن والعداوات وإساءات أحدنا للآخر نصل بعدها إلى حقيقة ما يريده الفاسد والطامع فينا وفي وطننا. ما علينا إلا أن نحاربه بمحبتنا وتآلفنا وتآخينا ورمي كل تلك الأمراض وراءنا ونرسم الوطن خارطةً للمحبة وثقافتها.