المنبرالحر

ثورة بركان الشعب / صادق النداوي

ليس خافياً على المطلعين والمتابعين لتاريخ العراق السياسي الحديث ان الشعب العراقي تمرس في النضال وان لديه سجلاً زاخراً بالتجارب والدروس، وقدم كثيراً من التضحيات وحقق الانتصارات في معاركه ضد القوى الاستعمارية والأنظمة الرجعية العميلة والدكتاتورية الاستبدادية وسياساتها وممارستها كافة أنواع الاضطهاد والحرمان والجهل والتخلف، ومن اجل نيل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعيش بسعادة وكرامة ورخاء. وان تلك التجارب والانتصارات تجعله قادراً على مواصلة النضال لتحقيق الأهداف والطموحات مهما تغيرت أشكال وأساليب الحكومات المستبدة .
من ثورة العشرين الكبرى إلى وثبة كانون 1948 الخالدة التي عبرت عن تنامي الوعي السياسي الوطني والطبقي (وأول ثورة شعبية عارمة) ضد النظام الملكي الإقطاعي وحلفائه، قادتها الأحزاب التقدمية والديمقراطية والقومية . وجسدت أروع صور التلاحم الجماهيري بكافة فئاته، والعزم والإرادة والقيادة المنظمة . وبفضل التعاون والتنسيق الوطني خرجت الجماهير تتقدمها المرأة العراقية البطلة، مطالبة بالخبز والحرية وإلغاء معاهدة الذل، وبدماء الشهداء التي سالت في الساحات وعلى الجسر ارتفعت راية الانتصار وسقطت الحكومة ومعاهداتها .
تعاقب كثيراً من الانتفاضات والشهداء وأدت التراكمات إلى انفجار بركان ثورة 14 تموز 1958 المجيدة التي أسقطت النظام الملكي، وما حققته من انجازات وطنية تحررية أدت إلى تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح الجماهير الكادحة وتطلعها نحو مستقبل زاهر. ولكن اغتيال الثورة على أيدي قوى الاستعمار وحلفائها بانقلاب 8 شباط الدموي، أدى الى عدم تجذيرها وتحقيقها المزيد من الانجازات.
وخلال فترة الحكم الدكتاتوري الفاشي، قاوم الشعب وكافة أحزابه الوطنية بمختلف اتجاهاتها . واستخدمت كافة وسائل الكفاح للتخلص من الطاغية وسلطته .
وكان انفجار بركان انتفاضة آذار 1991، التي زعزعت أركان النظام وأسقطت 14 محافظة . ثم سقط النظام بعد الغزو في 2003 فازيحت جمهورية الخوف وخرجت الجماهير لتسقط رموز الطاغية وتعلن عن بهجتها وآمالها بعراق جديد ينعم فيه الإنسان العراقي بحياة سعيدة وكريمة. ولكن خابت تلك الآمال.. نتيجة لسياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية وتأسيسها نظام حكم المحاصصة والإشراف عليه لتحقيق أهدافها الإستراتيجية وضمان مصالحها في العراق والمنطقة وفقاً لمنهجها الاستعماري (فرق تسد) فاتحة الأبواب لتدخل دول الجوار في شؤون العراق وقوى الإرهاب وما أن وصلت وشاركت الأحزاب الإسلامية في السلطة حتى أدارت ظهرها لمصالح الشعب لتنشغل بصراعاتها على كعكة السلطة ومنافعها وسعيها لتوسيع وترسيخ نفوذها في كافة مؤسسات الدولة.. فعمدت الى نشر ثقافة التعصب الطائفي والقومي والعشائري والجهل والتخلف ونتيجة لتلك السياسة وما صاحبها من ضعف وغياب الوعي الوطني والإداري والسياسي والاقتصادي والاعتماد على عناصر عديمة الخبرة والكفاءة في إدارة الدولة حدث مزيد من التدهور في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فازدادت الفوضى والبطالة والفقر وتردي المستوى المعيشي، وانعدام الخدمات، واتساع ساحة الإرهاب والعنف بكافة أشكاله، وسقوط أجزاء من الوطن بيد داعش، وانتشار آفة الفساد في كافة مؤسسات الدولة ومرافقها. وإثراء المسؤولين على حساب إفقار الشعب، باعتراف الجميع . وسجل العراق رقماً قياسياً عالمياً في تلك الظواهر السلبية .
لكن جماهير الشعب قاومت تلك المظاهر وانطلقت التظاهرات الجماهيرية في كافة مدن العراق مطالبة بتحسين أوضاعها وإلغاء امتيازات المسؤولين ومنها تظاهرة 25 شباط 2011. فلم تحصل إلا على القمع والوعود الخطابية المعسولة.
وأخيراً من مدينة البصرة وبشرارة الكهرباء واستشهاد الحلفي، انفجر بركان الجماهير ليتحول إلى حراك جماهيري وثورة شعبية سلمية مطالبة بحقوقها المشروعة وتحسين أحوالها المعيشية . وإصلاح مؤسسات الدولة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين. وان الطريق السليم للخروج من الأزمة هو الخروج من نظام المحاصصة المقيت وإقامة دولة مدنية ديمقراطية للنهوض بالعراق من جديد.
واخيرا لابد من تأكيد:
1- ان على الأحزاب السياسية الحاكمة والتي كانت في المعارضة وعانت الاضطهاد سابقاً عليها أن تعي ان أساليب القمع والإرهاب والترغيب لا تُديم سلطة مهما كانت قوتها وطالت مدتها .
2- ان تمزيق وحدة الشعب والوطن يحملها مسؤولية كبيرة وان الاستمرار فيها لا يخدم سوى أعداء العراق فعليها أن تستجيب لنداء ومطالب الجماهير .
3- ان على القوى السياسية، والمنظمات الثقافية والديمقراطية كافة أن تعمل على استمرار الحراك الجماهيري بتوحيد أهدافها وتنظيم قيادتها، وغرس الوعي الوطني، والتأكيد على التظاهرات السلمية وإبعاد حالات الإحباط واليأس وبث الأمل لديها.ا وان بركان الثورة سيمضي حتى تحقيق الانتصار وسيزيح التيار الوطني الكتل الفاسدة ويقيم دولة مدنية ديمقراطية ينعم فيها الإنسان العراقي بالحياة السعيدة والرخاء والسلام .