المنبرالحر

نحو تفعيل جديد للتفرغ الزراعي/ زاهر نصرت

لقد انتهجت الدولة العراقية بعد منتصف القرن الماضي في المضي بتصحيح الأوضاع المتخلفة في البلاد ومنها الوضع الزراعي فعمدت الى التوسع بأعداد الخريجين الشباب من الكليات والمعاهد والاعداديات الزراعية حتى تكَّونَ ما نسميه اليوم بالمهندس الزراعي والذي سعى ما سعى اليه ان يتفرغ للعمل الزراعي وخاصة بعد صدور قرارين خاصين بالمتفرغين الزراعيين وهما القرار 732 لسنة 1980 الذي حدد المشمولين به ضمن شروطه وامتيازاته ثم اعقبه القرار 350 لسنة 1985 والذي بدوره صدر لمعالجة المتسرحين من الخدمة العسكرية والمحالين على التقاعد بسن مبكرة .
لقد ترتب على هذا الأساس واقع جديد كانت اهم ملامحه الاتي :
1 – كانت اغلب الأراضي التي تم تأجيرها بموجب القرار 732 لسنة 1980 هي أراضي مشمولة بمشاريع الري والاستصلاح وبالتالي هي أراضي مستصلحة ، بينما اغلب الأراضي المؤجرة فيما بعد وفق القرار 350 لسنة 1985 هي أراضي غير مستصلحة والكثير منها يحتاج الى عمليات استصلاح لتكون فيما بعد صالحة للزراعة حتى أدى ذلك الى حدوث تفاوت كبير بين المردود الاقتصادي للمتفرغ الزراعي المشمول بالقرارين المذكرين أعلاه . إضافة الى ان تقديرات ايجار الأراضي المؤجرة هي اعلى من الإيجارات المفروضة على الفلاحين لنفس مساحة الأرض وخصوبتها .... الخ ، وهذا أدى الى حصول اجحاف بحق المهندس الزراعي المتفرغ الذي هو أولى بالدعم المالي لأنه في بداية حياته العملية في الإنتاج الزراعي .
2 – ان القرار رقم 732 لسنة 1980 اعطى الحق للمتفرغ الزراعي في ان يتملك الأرض المتفرغ عليها وفق شروط محددة ، في حين القرار 350 لسنة 1985 الغى هذا الحق وبالتالي اثر سلبياً على المتفرغ الزراعي .
3 – لم تراعي الدوائر المعنية بتوفير المستلزمات الزراعية بحالة المتفرغين الزراعيين كمبتدئين في العمل الزراعي فمعظمهم كانوا وما زالوا يعانون من مشكلة صعوبة حصولهم على هذه المستلزمات .
4 – ان فرص الحصول على أراضي زراعية صالحة للزراعة أصبحت قليلة امام المتفرغين الزراعيين ولم تعالج الدوائر الزراعية هذه الحالة فكان البعض يحصل على أراضي ضعيفة الخصوبة او تعاني من مشاكل في توفر الحصة المائية او انها تقع في مناطق نائية لا تتوفر لها الطرق الجيدة او وسائط النقل او ظروف الإقامة فيها .
الان ومن خلال عرض اهم المشاكل التي يعاني منها المتفرغ الزراعي بالإضافة الى اعداد الخرجين الزراعيين الهائل الذي يضاف في كل سنة والذي أدى الى وجود نوع من أنواع البطالة المقنعة للذين حالفهم الحظ في التعيين على الملاك الدائم في الدوائر الزراعية وما تسببت هذه الظاهرة من ارباك في العمل الوظيفي بسبب الفوضى التي نتجت من هذه الاعداد الكثيرة ناهيك عن عدم وجود صلة بين الدراسة وتطبيقها في العمل الوظيفي فشتان بين الاثنين بسبب الروتين في عمل الدوائر الزراعية التي تندرج تحت تصنيف الاعمال المكتبية التقليدية التي هي بعيدة كل البعد عن العمل الحقلي الرئيسي والواجب للمهندس الزراعي .
من هذه الرؤى يمكن إن نخرج بما نسميه ورقة عمل بعنوان ( نحو تفعيل جديد للتفرغ الزراعي ) ونطلب من وزارة الزراعة مناقشتها بإسهاب وتهيئة السبل الضرورية لإنجاحها وإصدار التشريعات اللازمة لتنظيم ممارسة المهندسين الزراعيين للتفرغ الزراعي لغرض العمل الحقلي مع ملاحظة ان الحاجة ملحة لهذه الخطوة لأسباب ما يعانيه الريف الان من مشاكل تمثلت في الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة والتي اثرت بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي وكذلك ظهور فجوة في الهرم السكاني لأعمار جموع الفلاحين بانخفاض في إعداد الشبـاب الذيـن يمارسـون الزراعـة وارتفـاع معـدل العمر للفلاحيـن وانخفاض مستوى كفاءة استخدام الوسائل العلمية والتكنولوجية الحديثة في عمليات الإنتاج الزراعي الأمر الذي أدى إلى انخفاض إنتاجية الدونم لمعظم المحاصيل الزراعية .
اذن الامر يتطلب وقفة جادة لمعالجة هذه المسألة المهمة وجعلها نمطاً متطوراً يرفد الريف بالكوادر الزراعية المثقفة والخّيرة من خلال :
1 – خلق تعاون بين وزارة الزراعة ونقابة المهندسين الزراعيين في مجال متابعة أمور المتفرغين الزراعيين وذلك من خلال عقد اجتماعات دورية وتقديم المقترحات الخاصة بحل مشاكل المتفرغين .
2 – قيام الجهات المختصة والمعنية في وزارة الزراعة بتوفير مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة والتي تتوفر فيها الحصة المائية وتخصيصها لأغراض المتفرغين الزراعيين لأجل خلق مناطق اشعاع زراعية تتبع فيها الطرق الزراعية الحديثة في المناطق الريفية .
3 – النظر في تسليف المتفرغين الزراعيين من المصرف الزراعي التعاوني بنسب فوائد منخفضة لدعم ونجاح التفرغ الزراعي .
4 – دعم المتفرغين الزراعيين وذلك بتوفير المستلزمات الزراعية لخططهم الزراعية مما تقوم به الدوائر الزراعية بتوفيره للإنتاج الزراعي .
5 – إعطاء أولوية في تخصيص الأراضي الزراعية الشاغرة للمتفرغين الزراعيين وفي حالة عدم رغبة المتفرغين بها تعرض للإيجار .
6 – جعل أراضي المتفرغين الزراعيين مزارع تعطي لها الأولوية في زراعة الأصناف الواعدة من المحاصيل المختلفة لضمان النجاح لكل الأصناف عند وضعها بأيدي مؤهلة علمياً ومدربة لأهمية هذه الأصناف مع الدعم الكامل للمزارع التي تنفذ هذا النشاط .
نطرح هذه الورقة وكلنا امل في وزارة الزراعة العراقية في دراستها واعطائها الأهمية القصوى لعلاج هذه الشريحة المهمة من المجتمع المتمثلة في المتفرغين الزراعيين و خريجي الكليات والمعاهد الزراعية والتي تخدم فيما بعد عملية الإنتاج الزراعي في بلد غني بموارده المائية واراضيه الزراعية الخصبة .