المنبرالحر

مسارات لعراق اخر / محمد عبد الرحمن

رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة واللحظات الحرجة التي يمر بها بلدنا، وتفاقم معاناة الناس متعددة الاوجه والاشكال، والحديث بصوت عال عن الشحة المتزايدة في موارد الدولة المالية، يظل البعض من المتنفذين، مثلما كان، في واد آخر لا يعنيه سوى الحفاظ على امتيازاته وكرسي السلطة والشفط واللفط من المال العام، واقفا حجرة عثرة امام اي مسعى، حتى ولو بالنيات، لاصلاح الاوضاع وانتشال بلدنا مما هو فيه اليوم من سوء الحال .
فسيد الموقف هو التدافع على هذا المنصب او ذاك، والويل لمن يخرج او يحاول الخروج على سياقات المحاصصة، التي اثبتت بامتياز فشلها وعقمها وكونها اس البلاء ومعرقل اعادة بناء الدولة، وزارع الفاشلين والفاسدين في وظائف الدولة، المدنية منها والعسكرية، والحائل دون ان تصل اليهم يد القضاء والعدالة التي سعت باشكال عدة للحد من دوره وحرفه عن مهامه وجعله يتناغم مع اجنداتها التي لا يجمعها جامع، من بعيد او قريب، مع طموحات الناس وتطلعهم الى حياة آمنة مستقرة وعيش كريم .
هذا البعض الذي فقد الاحساس بقضايا الوطن وهموم الناس، لا يبالي اذا انخفضت ايرادات النفط وغدت الخزينة خاوية والدولة عاجزة عن توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين، او اذا مات الناس عند جسر بزيبز، او غرقت مناطق الكاظمية والشعب واور والصدر والكرادة والنجف وكربلاء وغيرها من محافظات الوطن ومدنه عند نزول اول الامطار ونحن بعد في بداية فصل الشتاء، او اذا اجتاح الطوفان مخيمات النازحين البائسة اصلا وقضى ساكنوها، الذين لا حول لهم ولا قوة، لياليهم في العراء مفترشين مياه الامطار. بل انهم حين يذرفون الدموع على " تدمير " العبادي للطبقة الوسطى وتفريطه بكفاءات الوطن عبر سلم الرواتب الجديد المثير للجدل، فانما يقولون كلمة حق يراد بها باطل.
وهناك من هذا البعض حتى من لا يفرحه ان تحقق قواتنا المسلحة والتشكيلات الاخرى المساندة لها الانتصارات على داعش الارهابي، الذي يعولون عليه كورقة ضغط يبتزون بها لانتزاع المقسوم، فيما هناك من المتنفذين ايضا من يريد ان يستخدمها لفرض امر واقع بلحاظ ترتيب جديد مستقبلي للحالة السياسية في الـــبلد .
في كل المواقف والممارسات الاخيرة لهذا البعض المتنفذ تبقى السلطة، لا سواها، هي الهاجس والغاية، التي يبقى مستعدا لارتكاب الحماقات في سبيلها، مهما غلف احاديثه بكلمات وطنية او دينية. وهذه هي حقيقته مهما لجأ الى التقية لاخفائها، مطأطئا الرأس حتى تمر العاصفة .
لكن الشيء الاكيد هو ان استمرار الحال من المحال، وان الاوضاع لن تعود الى ما كانت عليه قبل 31 تموز 2015، وان الاصلاح لا مفر منه، وهو بانتظار التيار الشعبي المليوني الذي يقلب موازين القوى ويطيح بالمعيقين والمعرقلين و"القادة الضرورة"، ويفتح المسارات لعراق آخر، عراق القانون والمؤسسات والمواطنة .