المنبرالحر

قانون البطاقة الوطنية/ زهير كاظم عبود

بتشريع قانون البطاقة الوطنية من مجلس النواب يكون قد تم إلغاء قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 ، وكما الغي قانون تنظيم محلات السكن والإقامة داخل العراق رقم 95 لسنة 1978 ، وترك أمر نفاذ القانون ببيان يصدره وزير الداخلية بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية وفقا لبيان ينشر أيضا بنفس الجريدة .
وجاء القانون الجديد منسجما مع قانون الأحوال المدنية المرقم 65 لسنة 72 المعدل الذي أصدره نظام البعث المقبور في نصوص عديدة ، مما يجعله انسجاما وامتدادا لتلك النصوص التي ظلمت العديد من العراقيين وأربكت حياتهم .
من ضمن تلك النصوص ما ورد بنص الفقرة الثانية من المادة ( 20 ) من القانون والتي تنص على انه يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقا لهذا القانون .
وكذلك ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة ( 21 ) من القانون حول أن يتبع الأولاد القاصرين في الدين ديانة أي من الأبوين الذي اعتنق الدين الإسلامي .
وهو ما نصت عليه المادة ( 26 ) بفقرتيها ( أولا وثانيا ) من القانون .
ان الدستور العراقي نص على أن لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ، وهذه الحريات لايمكن تقييدها او تحديدها أو مخالفتها ، وتطلق العقيدة على ما يعتقد به الإنسان وعلى ما يؤمن به ، وكل ديانة تستند على العقيدة ، ولهذا لايمكن بأي حال من الأولاد أن نستلب الاختيار أو أن نقيد هذه العقيدة بإلزام القاصرين وهم كما نعلم غير كامل الأهلية ، وفي اللغة هو العاجز عن التصرفات الشرعية والقانونية لعدم بلوغه سن الرشد ، لذا فأن إلباسه دين محدد وفق هذا القانون يعتبر قسره وإرغامه على الاعتقاد بعقيدة لم يختارها ، وإلزامه أيضا بتصرف إجباري قبل أن يحق له أن يتعرف عليه أو يعرفه أو يحق له المفاضلة والاختيار وقبل بلوغه سن الرشد .
والغريب إن هذا النص مع انسجامه مع نصوص القوانين السابقة ومجافاته لمنطق الحقوق والحريات المدنية والسياسية التي نص عليها الدستور ، فأنه لم يتطرق إلى تبعية القومية أو غيرها من التبعات التي يتعلق بها القاصر تبعا لقومية والديه أو احدهما ، مما يدل على أن القصد من النص هو الإجبار القسري على اعتناق ديانة قد لا يؤمن بها ولا يفيد منها هذا الدين سوى ضم أعداد من المسجلين رسميا دون ان يكون لهم إيمان حقيقي بهذه الديانة .
لن نناقش عملية الإكراه الديني التي تغلف النص ، فقد نص الدستور في المادة ( 41 ) منه على أن العراقي حر في الالتزام باحواله الشخصية حسب ديانته أو مذهبه أو معتقده أو اختياره ، فكيف يتم انعدام الاختيار والمعتقد وفق النص ؟ ولم لم يترك الخيار للقاصر على الأقل لحين بلوغه سن الرشد ؟
الضمان الذي أكدت عليه الفقرة ثانيا من المادة الثانية في ضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة وحرية الممارسة الدينية ، يكون ليس له قيمة في حال الإجبار القانوني وتشتيت العائلة دينيا واجتماعيا وقانونيا ، وما سيترتب عليه من عوائق ومفارقات شكلت لنا صور منها تلك المآسي التي عانت منها العوائل العراقية .
أن أي قانون عليه أن يكون قد وضع المساواة بين العراقيين بغض النظر عن دياناتهم أو قومياتهم ، وتجير النص لصالح قومية أو ديانة أو مذهب لايمكن أن ينسجم مع مفهوم المساواة .
أن الاسم وفق ما ورد بالقانون هو الاسم المجرد الذي يميز الإنسان عن غيره في الأسرة الواحدة المدون في قاعدة المعلومات ، وبالتالي سيبقى الابن لصيق اسم أبوه قانونا ،والقرابة المباشرة وهي الصلة بين الأصول والفروع وتربطه بعائلته كل القواعد القانونية ، كما أن تغير صيغة الحكم الدستوري ، واعتماد مفهوم الحريات واعتماد حقوق الإنسان يدفع باتجاه تغير منطق إلحاق أبناء أهل الديانات الأخرى بالدين الإسلامي ، وهذا الدين ليس بحاجة لمسلم بالاسم يتم إجباره وإلحاقه به ( ما زاد حنون في الإسلام خردلة.. ) .
لذا فان صدور القانون متضمنا هذا النص يعد تجافيا وتناقضا مع مفهوم حرية العقيدة وحق الاختيار وحرية الضمير ، وفي سياق التأكيد على الحق في حرية الضمير وترسيخه، تنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن لكل إنسان الحق في حرية الفكر والدين. وبالتالي فان اي قانون ينبغي أن ينسجم مع نصوص العهد الدولي باعتبار أن العراق من الدول الملتزمة والمصادقة على تلك القواعد الأساسية وهي :
أـ حرية الإنسان في أن يدين بديانة معينة ، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره .
ب ـ حريته في إظهار دينه أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة ، وتلك أشار إليها الدستور في عدة مواد .
ج ـ عدم جواز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو يقيد حريته في أن يدين بأي دين أو معتقد يختاره .
د ـ إمكانية إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، ولكن في حدود القيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية بما لا يخل بالنظام العام و الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
أملنا في أن تتدارك المحكمة الاتحادية العليا وهي الجهة الرقيبة على دستورية القوانين تلك الخروقات في النص وتشير إلى ضرورة إبدالها ورفعها من القانون .