المنبرالحر

هل صار تحرير مدننا بالأقساط؟ / مرتضى عبد الحميد

عمت الفرحة اغلب العراقيين، واستعادوا ثقتهم إلى حد غير قليل بقواتهم المسلحة، ومعها المتطوعون البواسل، اثر الانتصار الكبير والحاسم في بيجي وصلاح الدين عموماً، والذي تحقق بفضل الوحدة الوطنية والعسكرية التي توفرت بمستوى مقبول لتقدم لنا انجازاً نحتاج إليه احتياج الأرض العطشى للمطر.
لقد ظلت بيجي ولفترة طويلة عقدة إستراتيجية في حرب قواتنا المسلحة الباسلة، ضد الجناح الأكثر قذارة وقسوة من بين كل التكفيريين المجرمين السابقين واللاحقين. فكم مرة حررت، ثم استعادها الداعشيون، بحجة عدم وجود قوات كافية لمسك الأرض بعد تحريرها، كما يدعي مسؤولون عسكريون ومدنيون، حتى تحولت في فترة معينة إلى لغز لم يستطع احد أن يفك طلاسمه في حينها.
الدواعش استطاعوا العودة إلى بيجي بعد تحريرها أكثر من مرة، ليس بسبب قوتهم العسكرية أو تماسكهم الإيديولوجي، كما كان يروج البعض، وإنما نتيجة الخلافات العميقة في الصف الوطني، وانعكاس التصريحات السياسية اللامسؤولة سلباً على معنويات المقاتلين، وغياب القيادة الموحدة لهم. فضلاً عن تشبث داعش بالمنطقة لموقعها الستراتيجي، ومعرفتها بأن السيطرة عليها، تعني أن الطريق سيكون ممهداً لتحرير باقي مناطق صلاح الدين والموصل أيضا، ولان مواردها المالية تعتمد بشكل كبير على ما يسرقه "قرودها" من نفط المصفاة، وبيعه بأبخس الإثمان عبر سماسرة محترفين على الضفتين الكردية والعربية.
لكن هذه الفرحة بالنصر الكبير لم تكتمل مع الأسف الشديد، ليس لان العراقيين قد أدمنوا الحزن، وأداروا ظهورهم للفرح والبهجة والسرور، وإنما لان الأمريكان حسب قول عسكريين عراقيين (وعلى ذمتهم) طلبوا إيقاف الهجوم على الانبار لغاية يجهلونها. بينما تخوف آخرون من أن يكون السبب الحقيقي، إعطاء فرصة للدواعش، كي يستردوا أنفاسهم، ويعيدوا ترتيب أوضاعهم، بعد الخسائر الكبيرة التي منوا بها على صعيد الإفراد والمعدات في كل سوح القتال معهم.
وهذا القرار غريب حقاُ، فبدلا من استثمار الزخم المعنوي لمقاتلينا الإبطال، وتفعيلاً لدور الأسلحة الجديدة التي وصلت إليهم، واستخدموها ضد داعش نرى العكس، وتؤمر الفصائل العسكرية، ومعها الحشد الشعبي وأبناء العشائر بإيقاف القتال والبقاء في أماكنهم والى إشعار آخر!
ويحصل كل هذا في ذات الوقت الذي يتدفق فيه مئات الدواعش مع عوائلهم ومن دونها من سوريا إلى الانبار والرمادي تحديداً، هرباً من القصف الروسي على مناطقهم وتحصيناتهم، ودعما لأخوتهم في الشر والقسوة من الدواعش الباقين في الانبار، الأمر الذي سيطيل المعركة التي جرى الإعداد لها منذ شهور طويلة لتحرير المحافظة وإنقاذ أهلها من هذا السرطان، وستكون الخسائر في الأرواح والمعدات اكبر من الآن بكثير.
التاجر الجشع لا يلام فقط لأنه يخفي بضاعته إلى أن يتضاعف سعرها رغم حاجة الناس إليها، وإنما يحتقر أيضا. فكيف إذا كان التاجر هو أقوى دولة في العالم وتتعامل بهذا المنطق الإجرامي واللا أخلاقي؟
أما آن الأوان للعراقيين أن يوحدوا صفوفهم، ويستلموا الزمام بأيديهم؟