المنبرالحر

الحوار .. ساحةُ تحرير أخرى / ئاشتي

«1»
ترفرف بيارق الفرح في عيون أطفال بلادك حين تنسحب طلاسم الأحزان من صدور الشيوخ والنساء، فليس هناك دائرة أوسع من دائرة الفرح حين تضيق أو تختفي كل منافذ الحزن، وما بين الفرح والحزن أكثر من وشيجة عكسية. الفرح نهار مشمس حتى لو كان شتائيا، الحزن ليل دامس الظلام حتى لو كان في أيام الصيف الطويلة، الفرح ابتسامة طفلة لوردة وهي تستنشق عطرها، الحزن بكاء عجوز حسرة على آخر أيامها، الفرح يزهر وينمو حتى على اطراف الأنامل الرقيقة، الحزن يتكلس بكل جنونه على حنايا الروح الكسيرة. لهذا تعلن انتماءك للفرح مادام هو القادم دون ريب، تشعر به وأنت تسير في الشارع، أو تجلس في المقهى، أو تراه في عيون الذين لا يريدون لوطنهم غيره متكأ.
«2»
متكأ الوطن يصنعه أبناؤه، من حبهم له، من إصرارهم على هذا الحب، من تفاؤلهم، من إيمانهم بأن الأجمل أن يشفى وطنهم من جراحه لكي يفرحوا من القلب لفرحه. لهذا تراهم يبحثون في كل الوسائل التي يعتقدون أنها تساهم في ذلك، الوسائل التي تحفظ كرامة انتماءهم لهذا الوطن، والتي تحفظ شعبهم من نكسات الذل. والتظاهر في الشارع احد تلك الوسائل والى جانبه هناك وسائل أخرى منها الحوار.
«3»
والحوار يكون ربما في أكثر من لغة، ولكن أنجعها لغة منطق الكلام. أن تحاور يعني أنك تنطلق من إيمانك بناصية الحق التي تقف عليها، وأن تحاور يعني أنك بلغت درجة من التحضر من الصعب التراجع عنها، وحين تحاور لا يعني أنك تقدم تنازلات عما تطمح إليه لآنك لا تحاور من أجل ذاتك بل من أجل الآخرين، لهذا ترى كل الأفاق مفتوحة أمام عينيك وأقربها تلك التي تجعلك تتظاهر في ساحة التحرير.
«4»
والتظاهر في ساحة التحرير وسيلة معلنة مثلما هو الحوار وسيلة معلنة حين لا يتم التستر على كل بنوده. التظاهر في ساحة التحرير صوت جماعي تتداخل فيه العشوائية أحيانا، والحوار صوت جماعي مكثف يرتكز على مسلمات واضحة تفصيلية. التظاهر في ساحة التحرير يخاطب الحاكم عن بُعد، الحوار يكون مع الحاكم وجها لوجه، يطرح ما يريده المتظاهر في ساحة التحرير، وعندما لا يخرج الحوار عن فحوى صوت ساحة التحرير، يكون الحوار حينذاك ساحة تحرير أخرى.
«5»
يقودك الحلم إلى أن تتمثل تظاهرة ساحة التحرير والحوار، هذا المقطع من ملحمة أترخاسيس من العهد البابلي القديم:
«سأمد يدي إلى الناس
الطوفان الذي تأمر به،
منْ هو؟ أنا ...
لأنني من يهب الولادة لرعيتي».