المنبرالحر

لا نُحب الصيف ولا الشتاء.. / عبد السادة البصري

عندما كُنا صغاراً كانت أمي دائماً تقول ( الصيف أبو الفقير والشتا أبو الغني )، وحينما نسألها عن معنى ذلك تجيبنا إن الفقير يستطيع أن يلبس ما يستره فقط في الصيف ويبقى على حاله ، أما في الشتاء فمن أين له بالملابس الصوفية والقطنية والفراش الوثير والمدفأة وغيرها من المتطلبات التي تقيه برد الشتاء وأمطاره ، والتي يمتلكها الغني حتما.
ظلت هذه المقولة تتردد في أذهاننا كلما جاء الصيف أو حل الشتاء، ورغم فقر حالنا إلا إننا كُنا نحب الشتاء لما فيه من ليالٍ جميلةٍ نلتم فيها قرب الموقد لتحكي لنا جدتي حكايات عن ( الطنطل) و( السعلوة) وبنت السلطان والشاطر حسن وغيرها ، ونحن نتدفأ على جمر الموقد منتشين برائحة الشاي والدارسين والنومي بصرة في بعض الأحيان التي تدغدغ أنوفنا. كذلك كُنا نفرح بالصيف ونحن نسبح في الأنهار كل يوم وننام نحلم بليالٍ وردية فوق سطوح المنازل سعداء بما يجود به ( ناقوط الحِب) من ماء باردٍ رقراق.
لم نكن نفكر في الشتاء أو الصيف وكيف سنقضيهما أبداً رغم سكننا في قرية جنوب القلب.
رحل أبي ولحقته أمي وهجرنا بيت طفولتنا ، وأضحت القرية لوحة في الذاكرة إلا إننا بقينا نتحسر على تلك الشتاءات وأيام وليالي الصيف التي انقضت!
ثم.. تغير الحال ولم يعد الصيف أباً للفقير ولا الشتاء أباً للغني. إذ صار الفصلان يشكلان هماً وكابوساً للجميع إلا مَن حصل على كرسيٍ هنا أو هناك. في الصيف تبدأ أزمات الكهرباء والماء المالح والغبار والأزبال والأوبئة ويظل الناس في أزمة لا تنتهي الا بقدوم تباشير الشتاء والتي هي أيام قليلة تسمى الخريف. وفي الشتاء تتفاقم أزمات ومشاكل سوء الخدمات لتغرق الشوارع والأزقة بماء المطر الذي يصير عبئاً ثقيلاً على الناس.
ومن الطريف أن المطر يقال عنه (نعمة ورحمة) لكن في مدينتنا وغيرها يتحول الى ( نقمة وهم وقلق ). حيث لا توجد مجاري جيدة للصرف ما يؤدي الى الغرق والفيضان، إضافة الى فشل الكثير من المشاريع التي تتحول بفضلها الشوارع الى برك وأطيان وأوحال، ناهيك عن رداءة قابلية البيوت على استيعاب كميات المطر وتصريفها، فتسقط سقوفها وتغرق أخرى كلياً!!
نتيجة لسوء الخدمات والمشاريع المتلكئة والفاشلة وعدم إهتمام الحكومات بالمواطنين وراحتهم وأمنهم ومعيشتهم، صرنا نكره الصيف والشتاء ونتمنى أن لا يقدما علينا. ويعترينا الهم والحزن والقلق حال سماعنا في نشرة الأنواء الجوية أن هناك غيوماً وأمطارا ،لهذا نردد دائماً قول السياب ( أتعلمين أي حزنٍ يبعث المطر؟!).