المنبرالحر

علامة مميزة في مسيرة الحراك الشعبي / محمد عبد الرحمن

لم تكن الجمعة الماضية مجرد يوم اخر في مسيرة الحراك الشعبي ، في بغداد ومدن الوطن الاخرى ، بل كانت تحمل الكثير من الدلالات والمعاني ، خصوصا في بغداد حيث تحرك المتظاهرون الغاضبون من ساحة التحرير عبر شارع السعدون، بأمل الوصل الى احدى بوابات المنطقة الخضراء لايصال رسالتهم السلمية من اجل الاصلاح السياسي ومكافحة الفساد وتوفير الخدمات .
حدث هذا التطور الهام بعد ايام قلائل من قرار مجلس النواب، الذي جاء - للاسف - مناقضا لرغبة المواطنين في اجراء اصلاحات حقيقية، ومحاربة رؤوس الفساد والاطاحة القانونية بهم وتخليص شعبنا من جشعهم وطمعهم. فالمجلس بدلا من ان ينفذ ورقته الاصلاحية التي اعلنها ، ويساند حزم الاصلاح ويشرع ما يدعمها ، راح يلتف على حركة الاصلاح متذرعا بالدستور والقانون. والسؤال هنا: لماذا لم يتذكر المجلس الموقر الدستور والقانون يوم صادق بالاجماع على حزم الاصلاح المعلنة ؟ ام ان النواب المحترمين ( قيل ان قرار المجلس اتخذ باجماع الحضور ) ارادوا به ترميم ما تضرر من مصالحهم ومنافعهم ، والتحوط ازاء ما هو قادم من اجراءات تحت ضغط الجماهير الراغبة حقا بالاصلاح والمنتظرة له؟ والقرار جاء ايضا ، وكما هو معلوم ، إثر عودة رموز الفساد والفشل الى رفع الصوت، بعد ان كانت قد طأطأت رؤوسها غداة تظاهرات 31 تموز الماضي .
هذا التحريك في موقع التظاهر ببغداد ، وان لم ينفذ كل ما جرى التخطيط له ، بفعل اعتراض قوات الامن وحيلولتها دون مواصلة المتظاهرين سيرهم ، وجه رسائل عدة ، اولها وفي مقدمتها هذا الاصرار الجلي من جانب المتظاهرين على المواصلة والاستعداد لتحمل نتائج ذلك ، وقناعتهم التي لا تتزعزع باهمية الاصلاح وضرورته. وثانيا ان المتظاهرين خاطبوا المعرقلين منبئينهم ان مشاريعهم وخططهم الخبيثة لن تمر، وان «الشعب بعده بحيله « وهو قادر على ملاحقة رؤوس الفساد ومن سلموا ثلث اراضي العراق لداعش. وثالثا انهم انما دعوا رئيس الوزراء الى التيقن من ان بطء حركة الاصلاح موت لها ، وانه مطالب بتوفير مستلزمات نجاحها وبناء جبهة الاصلاح ان كان حقا يريد الاصلاح ، وان عليه مصارحة الشعب بما ينوي فعله حقا . والشيء الآخر هو حرص المتظاهرين على عدم الصدام مع القوات الامنية، وقد رددوها مرارا : سلمية .. سلمية .
لذا فان ما حصل يوم الجمعة اثار الاستغراب من تصرف القوات الامنية. وما هو مستغرب اكثر ان القائد العام للقوات المسلحة لم يتدخل في الوقت المناسب، لتسهيل مرور المتظاهرين السلميين ، وهو العارف بذلك . وكاد تهور احد منتسبي القوات الامنية باطلاقه النار في الهواء ان يُحدث كارثة لا احد يحتاج اليها ، ولا بد من عدم السماح بتكرارها تحت اي ظرف .
وتبقى تظاهرة يوم الجمعة في بغداد علامة مميزة في مسيرة حركة الاحتجاج ، ويبقى الاهم ان يواصل المتظاهرون الحفاظ على طابعها الحضاري المدني السلمي ، وان تؤدي القوات الامنية دورها المطلوب في توفير الحماية لهم ، بدلا من اطلاق النار عليهم وعرقلة حركتهم في اتجاه الاصلاح والتغيير ، وهو ما يحتاجه الجميع باستثناء المتضررين من الفاسدين والفاسقين .