المنبرالحر

أزمة العولمة وفكرها النيوليبرالي (1-2) / فلاح علي

بعد التطورات العاصفة التي حصلت في الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي ومنذ انهيار تجربته في بناء الاشتراكية وتجربة بعض بلدان اوربا الشرقية ، انطلقت ماكنة وسائل الاعلام الرأسمالية حينها ، لتبشر العالم بنهاية التأريخ وان الرأسمالية هي التي ستكون خالدة بانتصارها في المنافسة مع الاشتراكية ، وان طريق العولمة الرأسمالية وفكرها النيوليبرالي اصبح سالكاً وسيلتحق بهذا الركب بلدان كوكبنا اجمع ، وان ظاهرة العولمة ستحكم العالم بأسره بقوانينها الاقتصادية وفكرها النيوليبرالي ، وادعت ماكنة الاعلام الرأسمالية ان العولمة الرأسمالية ستنهي الفقر والجوع في العالم وستطور اقتصاديات البلدان النامية وتحقق التنمية المستدامة وستخلق الرفاة والوفرة في الانتاج وستحافظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والامني في العالم ، وان اقتصاد السوق هو الطريق لرفاة الشعوب وتطور البلدان .... الخ . بعد هذه الحقبة التاريخية من هيمنة العولمة الرأسمالية على الاقتصاد العالمي . يطرح سؤال مشروع : هل أوفت العولمة بوعودها وما هو حالها اليوم ؟
حال العولمة الرأسمالية اليوم ونحن في القرن ال 21 :
تؤكد كل المعطيات المنظورة والملموسة على كوكبنا منذ ظهور العولمة الرأسمالية في نهاية القرن ال 20 الى الآن، ان العولمة الرأسمالية وفكرها النيوليبرالي يمران في أزمة ، وما تؤكده ايضاً هذه الحقبة التاريخية الثقيلة بأحداثها والمأسوية في افعالها ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والامنية ..... الخ). ان العولمة الرأسمالية اصبحت عاملاً معرقلاً لتطور البلدان النامية وليس بمقدورها ان تقضي على الفقر في العالم ولا تحقق العدالة لافي العلاقات الدولية ولا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولا التطور الاقتصادي للبلدان النامية ، ان القضاء على الفقر وتحقيق العدالة وضمان تطور وازدهار البلدان يكمن في الاشتراكية وفكرها الماركسي ، وان العولمة الرأسمالية الآن امام مفترق طرق وان وضعها اليوم هو سيئ لأنها تواجه الفشل والعزلة والمعارضة الواسعة من قبل المليارات من البشر لوجهتها الاقتصادية الرأسمالية الغير عادلة المتوحشة وذلك لمعطيات واسباب كثيرة منها التالي :
1- في ظل العولمة لم تحصل البلدان النامية على حصة عادلة من المنافع ، وهذا ما يشهده العالم اليوم وما تؤكده معطيات المناطق الاشد فقرا في العالم في افريقيا مثلاً قد تفاقم وضعها سوءً . حيث تناما الفقر والجهل والمرض واصبحت هذه البلدان تحت خط مستوى الفقر ، وبلا بنية اقتصادية تحتية وتعيش على الكفاف مع ارتفاع ديونها الخارجية وزيادة التفاوت الاجتماعي في مستوى الدخل، من هنا تأتي معارضة شعوب البلدان النامية بشكل خاص وشعوب العالم للعولمة الرأسمالية ، وانها اي العولمة بآليات عملها ونظام مؤسساتها وبتوجهاتها الاقتصادية الاستغلالية ، وبفقدان الملايين لوظائفهم وبشكل خاص الشغيلة، فهي بدلاً من ان تخفف من الفقر قامت بعولمة الفقر .
2- ان العولمة لم تنه ازمات الرأسمالية وبهذا فأن العولمة هي عاجزة عن ضمان استقرار الاقتصاد العالمي ، واحد اسباب عجزها هو ارتكازها على اقتصاد السوق ، الذي يتسم بعدم الاستقرار ، واضعفت دور الدولة ، الدولة هي التي تضمن اعادة الاستقرار واستمراره .
3- تعمل مؤسسات العولمة الثلاث صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تبعاً لمصالح الدول الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية وللولايات المتحدة الامريكية بالذات التي تتمتع بحق الفيتو في صندوق النقد الدولي ولم تراعا مصالح البلدان النامية، والامثلة الحيه على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال :
أ- صندوق النقد الدولي يمنح القروض للدول النامية باشتراطات ، يشترط الخصخصة المنفلتة واضعاف وظيفة الدولة في مجال دعم الاسعار وفي مجال الخدمات وفي مجال الادارة للقطاعات الاقتصادية .
ب- صندوق النقد الدولي يمارس تطبيق رؤية فكرية واحدة لا بديل عنها هو التعصب المطلق لاقتصاد السوق وهذه الرؤية لاقتصاد السوق هي تمثل الفكر النيوليبرالي الذي ضلل وخدع المليارات من البشر ، وقد لمست غالبية البلدان النامية مساوئ اقتصاد السوق ، ولم تتطور اقتصاديات البلدان من خلال هذا النمط الاقتصادي ، الصين كانت استثناء لأنها طورت اقتصاد السوق بطريقتها بدون الاعتماد على وصفات صندوق النقد الدولي واوجدت الاقتصاد الاشتراكي للسوق ، واليابان وكوريا الجنوبية لهما وضعهما الخاص والتعامل الخاص معهما من قبل الولايات المتحدة الامريكية . اقتصاد السوق والخصخصة المنفلتة فشلا في العديد من بلدان امريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا وفي افريقيا ، في روسيا فشل اقتصاد السوق والخصخصة ، بعدما وضع صندوق النقد الدولي خطة بتحويل الاقتصاد الاشتراكي لاقتصاد السوق وتم منح القروض لروسيا في فترة يلتسن لتطبيق وصفة الصندوق العلاج بالصدمة الا انها فشلت كما اشاعت العولمة الفساد في عمل المؤسسات الاقتصادية وفي نشاطها الاقتصادي.
ج- قروض الصندوق والبنك الدولي تحمل وجهه سياسية اي لها هدف سياسي ، حيث قدم الصندوق والبنك الدولي قروض لدعم حكام دول في العديد من البلدان النامية لهدف استمرار بقائهم في الحكم لأنهم حلفاء الولايات المتحدة الامريكية ولم يكن الهدف من هذه القروض هو لتطوير اقتصاديات البلدان وتنميتها ومكافحة الفقر فيها .هذه القروض منحت لحكام لضمان استمرار تحالفهم مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية ، واطلق عليها بعض الاقتصاديين تسمية قروض الحرب الباردة كثير من الحكام في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا ومناطق اخرى من العالم النامي حصلوا على هذه القروض لضمان ولائهم للولايات المتحدة الامريكية .
د- منظمة التجارة العالمية تفرض على البلدان النامية تحرير تجارتها ورفع القيود الكًمركًية وفتح حدودها امام تجارة البلدان الصناعية ، في نفس الوقت نرى ان الدول الصناعية تغلق حدودها امام تجارة البلدان النامية ، هذا يؤكد ان مؤسسات العولمة هي تعمل لصالح الدول الرأسمالية واسواقها المالية وشركاتها الاحتكارية العابرة للقارات ، لا لصالح البلدان النامية وفقرائها .
4- من هذه التسلكات وآليات عمل مؤسسات العولمة وغيرها فان المليارات من الناس من شعوب العالم الثالث تشكك في مصداقية مؤسسات العولمة في تحسين احوالهم .
5- كما ان منظمة التجارة العالمية فشلت في اقامة تجارة عادله في العالم وان الصندوق والبنك الدولي قد فشلا في انهاء الفقر وفي تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، وفشلا في تطوير اقتصاديات البلدان ، وهذا يعكس فشل العولمة في اقامة نظام اقتصادي ومالي دولي عادل .
6- في ظل العولمة ضعفت الهويات الوطنية وظهرت في البلدان النامية الهويات الثانوية والطائفية وضعف النسيج الاجتماعي في هذه البلدان وظهرت الصراعات والحروب الاهلية ، ونما التطرف والارهاب واخذ طابع اقليمي ودولي ، وبدأ يهدد امن هذه البلدان واستقرارها كما هو عليه ظاهرة القاعدة وداعش .... الخ وهناك كثير من هذه الحركات المتطرفة في بلدان عدة في اسيا وافريقيا تنسق مع بعضها وتتخذ اسماء متعددة ولها تمويل ودعم اعلامي ولوجستي حصل كل ذلك في ظل أزمة العولمة وفكرها النيوليبرالي .
7- حتى مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان التي بشر بها الفكر النيوليبرالي بإقامتها بهذه البلدان ، نرى على ارض الواقع انه لم يؤسس لإقامة ديمقراطية حقيقية لصالح شعوب هذه البلدان ، وانما اوجد محاصصات فئوية وطائفية وتوافقات لا ديمقراطية مشوهه انتهكت الديمقراطية وحقوق الانسان ، وفي دول اخرى دعم وساند الفكر النيوليبرالي بعض حركات الاسلام السياسي كما في تونس ومصر والمغرب ... الخ لهذا ما اكدته التجربة ان حالة الديمقراطية مع العولمة وفكرها النيوليبرالي هي نتاج ديمقراطية مشوهه وناقصة لم تؤسس لدول ديمقراطية ولا يوجد دور للمواطن فيها مع انتهاك دائم للحقوق والحريات والقرار بيد كتل واشخاص والشعب مغيب والمجتمعات لم تتطور. حيث كل ما عملته دول العولمة هو استبدال الدكتاتوريات ووضع محلها نخب او كتل وتكونت دكتاتوريات النخب او الكتل ،وترتبط هذه الدكتاتوريات الجديدة المصطنعة بدكتاتورية النخب المالية والاقتصادية الدولية .حيث يمارسون الارغام والضغط والاشتراطات وهذا هو جوهر المشكلة في ديمقراطية العولمة وفكرها ، حيث تفرض على هذه النخب المنتفعة بان تتخلى الدولة النامية التي يحكموها عن جزء من سيادتها ، وان تخصخص الثروات بشكل منفلت وتقيم اقتصاد السوق وتتخلى الدولة عن بعض من وظائفها . اضافة الى ذلك ان الاسواق والمضاربون الدوليون والاحتكارات الدولية والحكام الرأسماليون وفكرهم النيوليبرالي هم الذين يفرضون على البلدان النامية ما يجب ان تفعله وما يجب ان لا تفعله .
8- ان العولمة الرأسمالية لها تأثيرات سيئة على البيئة . كما ان التجارب باستخدام مواد كيمياوية وانتهاك اتفاقات دولية بهذا الخصوص، تؤثر سلباً على البيئة وعلى ارتفاع درجة حرارة التربة ، اضافة الى تلوث مياه البحار والمحيطات وغيرها من المشاكل البيئية .
نحو عولمة ذات وجه انساني :
العولمة الرأسمالية اصبحت في نظر المليارات من الناس انها غير ناجحة ، ولها نتائج سيئة بالنسبة لفقراء العالم حيث زادت حالهم تفاقما وباتت حياتهم اقل امان من ذي قبل ولم تتطور بلدانهم النامية اقتصادياً واجتماعياً مع دوام الازمات السياسية ، وسيئة بالنسبة الى البيئة وفي ظل العولمة غاب الاستقرار الاقتصادي العالمي ، وانتهكت سيادات البلدان وغيبت هوياتها الوطنية ...... الخ .المستفاد من العولمة دول محدودة ونخب فئوية وسياسية محدودة في هذا البلد او ذاك . اليوم حال العولمة الرأسمالية سيئ لأنها اصبحت تمثل استعباداً واستغلالاً للدول النامية وشعوبها. فيكون من الطبيعي ان يعاديها المتضررون فالمعارضة للعولمة الرأسمالية تتسع يوماً بعد آخر من هنا تأتي اهمية النضال على الصعيد العالمي السلمي لأنسنة العولمة لأنها ظاهرة موضوعية عالمية ، لهذا يفترض ان تعم ايجابياتها شعوب العالم اجمع، وازالة الاثر السيئ الجشع الظالم المستبد منها كما هو عليه الآن ، لتكون وجهتها انسانية .
ان هدف النضال من اجل أنسنة العولمة يتجلى في :
انهاء الفقر وايجاد نظام اقتصادي ومالي وتجاري دولي عادل . والغاء ديون البلدان النامية او تخفيفها هو مطلب عادل تطالب به البلدان النامية وهو مدخل لتطوير اقتصادياتها . والضغط من اجل اجراء الاصلاحات على مؤسسات العولمة ، ورفع الاشتراطات والاملاءات عن البلدان النامية وعدم اجبارها على تحرير تجارتها ، او الغاء التعريفات الكًمركًية ، الدول الصناعية مطالبة برفع حواجزها التجارية . وضمان حماية البلدان النامية من جشع الاحتكارات الدولية ومن المضاربين الدوليين . والجانب الاهم هو دمقرطة الحياة السياسية ، وعولمة الافكار ذات المحتوى الديمقراطي الاجتماعي ، وعولمة المجتمع المدني واستقلال القضاء في كل بلد . ان العدالة الاقتصادية العالمية تفرض على الدول الصناعية ان تقيم علاقات متكافئة مع البلدان النامية ،ان البلدان النامية وشعوبها هي اكبر الخاسرين من العولمة بشكل خاص وسكان العالم بحاجة الى أنسنة العولمة .
( يتبع)
7-11-2015