المنبرالحر

لا يستوي الظل والعود أعوج / عبد جعفر

قال المطر كلمته الغاضبة، قابلته مجاري الشوارع المهملة بإعلان احتجاجها. إحتارت المياه الى أي صوب تتجه. ففاضت في الساحات والبيوت والطرقات، ودخلت الى أروقة الحكومة والبرلمان والحكومات المحلية كحلقات من النقاش البيزنطي للبحث عن المسؤول عن غضبة المطر وبهذه الكمية، ولماذا حاصر المدن وأهلها بمياهه؟ وهل تستحق مدينة الصدر أو خيم النازحين أم (الخ......) شرف الدخول الى موسوعة غينس بعدد البيوت الغارقة والمهدمة؟
كما أن الكهرباء الغائبة، وجدت فرصتها أن تحضر، مستغلة إنشغال الناس بتصريف المياه وأن تمد أسلاكها المقطوعة كالأفعى لتدغ من يصادفها، وتمكنت من قتل ثمانية وخمسين شخصا. السلطات شخصت تسلل الكهرباء، ولكنها لم تطلق الصفارة لوقف إستهدافها، بل أطلقت إتهامها على المواطنين لعدم توخي الحذر، والسير في البلل دون إستخدام الزوارق المحلية الصنع من (صفائح، وألواح خشبية، وطسوت، وهياكل ثلاجات، وغيرها).
الفضائيات والصحف وجدت في غرق المحافظات والعاصمة، مادة دسمة وأن لم يوجد فيها سبق صحفي اللهم سوى سباحة المراسلين في عفونة المستنقعات والإستماع لشكاوى المواطنين التي لن تنتهي.
المطر أعلن بوضوح إستكمال صورة الدولة الفاشلة المدججة بالأحزاب المتنفذة -عرابي المحاصصة والطائفية- ومليشياتها وكبار الحيتان وسراقها، رغم زرق أوردتها المغلقة كالمجاري(بسائل الوطنية) ، فدولتنا غير قادرة أن تقدم أبسط الخدمات لمواطنيها، من كهرباء وماء وأمان وتعليم وصحة وعمل وغيرها. دولة، لاتهتز لخروج الملايين المطالبة بحقوقها، حتى وأن أصبح الوطن ضيعة للتدخلات الإقليمية والدولية وعصابات داعش الإجرامية التي يتصدى لها ابناء اشعب البررة.
أن دولتنا قصرت دورها (كبائع نفط) وشفط ما تحصل عليه بعد أن جرفت قطاعي الصناعة والزراعة.
إن الخروج من عنق الزجاجة، هو إعتبار الدولة العراقية شركة فاشلة، والأمر بحاجة الى تغيير، بإيجاد شركة أخرى، رغم أن
الأعداء من بعض دول الجوار والدول الكبرى، وأعداء شعبنا العراقي من الحيتان المنتفذة، لايخدمهم الإعلان عن (الدولة الفاشلة) كي لاتضرر مصالحهم.
الأمر قد يراه البعض أمرا مستعصيا على المتظاهرين العراقيين من اجل بناء دولة ديمقراطية مدنية ليس فيها مكان للفاسدين، دولة عدالة ومساواة، خوفا من أن يتحول التغيير الى حرب أهلية دامية،
حتى وأن كان المتظاهرون يحاربون بأصواتهم وأذرعهم العارية لنزع حقوقهم من دولة منزوعة الحياء، ويتعرضون الى إشكال من الإغتيالات والإختطافات والإعتقالات والضرب من جهات حكومية وأخرى محسوبة على إحزابها المتنفذة، وأحيانا يجري تخديرهم بإصلاحات ترقيعية لا ترقى للحاجة الفعلية لهم.
ولكن لا مخرج سوى التغيير، لإصلاح العملية السياسية، بعد كثرة التسويفات والرهان على ضمور إحتجاجاتهم. كما أن المجتمع الدولي أصبح يراقب فقط، وفشل في إخراج العراق من مستنقع الخراب والفساد. فليس أمام الشعب وقواه الحية، سوى الإعلان عن العصيان المدني، وحجب الثقة عن مافيات الفساد الحكومية والبرلمانية والقضائية وإعلان شركته الخاصة - سلطته - التي تحقق أحلامه، فكل السلطات يجب أن تكون له. حكومة تخدمه غير متسيدة عليه، وسلطة تشريعية تسن القوانين لصالحه وليس لخدمة أعضائها، وقضاء يحمي أمنه وأمواله من كل أشكال الفساد والإجرام غير متستر على من يخرب ويفسد.
وبهذا يستطيع أن يودع مافيات الفساد والخراب الى متحف العاديات والى الأبد، فلا يستوي الظل والعود أعوج.