المنبرالحر

اضواء على الاجتماع الاعتيادي الأخير للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي / منعم جابر

الشيوعيون يدعون الى الاصلاح والتغيير ويحاربون الفساد والارهاب ويطالبون باسقاط المحاصصة
في التاسع من تشرين الاول 2015 انعقد الاجتماع الدوري الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وقد صدر عن الاجتماع تقرير سياسي مفصل عن الاحداث المهمة التي عاشها الوطن خلال الاشهر المنصرمة وبالذات للفترة من 10 حزيران 2014 يوم سقطت الموصل بيد داعش وانصارها وتواصل تمددها ليشمل صلاح الدين والانبار واجزاء من كركوك وديالى تجاوزت مساحتها ثلث الوطن. وكان لهذا السقوط المدوي آثار ونتائج كبيرة سياسية وعسكرية واجتماعية وحتى ثقافية عقدت المشهد السياسي في الساحة العراقية وتفاعلت مع احداث اخرى وولدت مشاكل جديدة.
ولعل الاهم في المشهد هو الحراك السياسي والشعبي الذي شغل الساحة العراقية خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة.
الاوضاع الامنية والحرب على داعش
تعتبر معركتنا اليوم معركة وطنية هدفها الاول تخليص الوطن من عصابات داعش ولكي يتحقق ذلك فقد اكد الاجتماع على ان الضرورة القصوى تتطلب بناء مؤسسة عسكرية كفوءة ومهنية بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة والولاءات الشخصية وتطهيرها من الفاسدين والمرتشين والفضائيين، وان تقوم بواجبها الوطني على وفق ما مرسوم لها من مهام دستوريا. وفعلا تحقق المزيد من الانتصارات من خلال تجاوز حالات التردد والحساسيات وتعاون كل الجماعات المسلحة تعاونا وطنيا وتجاوز حساسيات المرحلة السابقة، فالجيش والشرطة ومتطوعي الحشد الشعبي والبيشمركة وابناء المناطق المبتلاة بداعش وفق سياقات الخطة العامة للدولة، يسهمون في هذه المعركة.
ان تجاوز الحساسيات والعمل بروح وطنية وتعاون القوات المسلحة وفق خطة موحدة تعطي لكل مجموعة واجباتها المحددة ستكون الخطوة الاولى على طريق تحرير كل الارض العراقية. واكد الاجتماع على ان يكون لابناء المناطق الدور الاساس في تحرير مناطقهم وطرد الدواعش منها، وهذا سيشكل دافعا معنويا لابناء ذات المحافظات للمشاركة في الدور السياسي الحاسم في المرحلة القادمة. الملاحظ ان المناكدات السياسية بين الاطراف الحاكمة والمهيمنة اثرت بشكل كبير على مسار العمليات العسكرية وتسببت في تأخرها وتلكؤها الامر الذي اثر كثيرا في مسيرة تحرير مدننا من داعش وانصارها لذا نجد ان الاجتماع الاعتيادي قد اكد على ان الانتصار ضد داعش وتحرير المدن من دنسه يستلزمان توفير مستلزمات ذلك وردم الثغرات التي يستفيد منها العدو الذي لا يمكن الاستهانة بقدراته وبخطط ذات ابعاد متكاملة.
الحراك الشعبي واثره في الاصلاح السياسي
انطلقت التظاهرات الشعبية في البصرة اولا وكانت بداياتها مطالبة بتحسين خدمات الكهرباء، لكنها قوبلت بالقمع والارهاب وانتشرت شرارتها الى بغداد وبقية المحافظات بدعوة من بعض الناشطين المدنيين وجاء ذلك بفعل مجموعة من العوامل والتأزم في الاوضاع وتصاعد الاستياء الشعبي الاحتجاجي وبسبب هذا التراكم حصل الحراك الجماهيري.
ان ما حصل من سوء في الخدمات وانتشار للفساد بين الاطراف المهيمنة على السلطة وسيطرة المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة والاثنية كل ذلك نتج عنه ازمة عامة خيمت على كل نواحي الحياة واثرت على حياة الجماهير واحوالهم. ويواصل الاجتماع تحليله للاوضاع السياسية والاجتماعية التي عاشها المجتمع العراقي مؤكدا: " وتقترب الازمات باشتداد الصراع من اجل المصالح المتعلقة بالسلطة والثروة بين القوى المتنفذة والمتحاصصة في جميع مفاصل الدولة، وهو صراع متجدد من اجل اقتسام واعادة اقتسام المغانم بين الكتل المتنفذة وداخلها جميعا من دون استثناء". وقد شخص الاجتماع وبكل وضوح ان الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها قد كان عاملا اساسيا من عوامل تأجيج الاستياء الشعبي العام. فالفساد تحول الى اخطبوط تمتد اذرعه الى حلقات اساسية مؤثرة في مراكز القرار وتسهم في نهب المال العام واساءة استخدام موارد الدولة وبالتالي تعطيل مسيرة البناء. وكان لغياب الرقابة الحقيقية وانتشار الرشوة والمحسوبية الاثر البالغ في ذلك.
اذن بعد هذا التوغل للفساد وتكوين مراكز قوى تقود هذا النشاط يحق لنا ان نتساءل هل يحقق الحراك الشعبي اهدافه وهل يستطيع ان يوقف هذا التدهور؟ نقول ان تضافر الجهود ومواصلة الحراك وتواصل التظاهرات واتساع المشاركة الجماهيرية فيها وتحديد المطالب والالتزام بالانضباط والسعي الى توحيد القيادات وتشكيل اللجان التنسيقية في جميع المحافظات ومناطق العاصمة، اضافة الى ترسيخ تقاليد التظاهر وتجاوز الملل والجزع كل ذلك سيسهم في تحقيق اهداف ومطالب الحراك الجماهيري. فالتواصل بالتظاهرات ولاكثر من شهرين يعكس وعيا وثباتا للمطالبة بالحقوق وبالتالي سيسهم في اسقاط الفاسدين وسيشكل فعلا نضالياً عملياً يدفع باتجاه التغيير وفق مفهوم ان الحقوق لا تمنح بل تنتزع.
ما هي المواقف من الحراك الجماهيري؟
ان الذي ميز الحراك الجماهيري في العراق وتواصل التظاهرات والاحتجاجات مقارنة ببعض البلدان العربية هو عدم حصول مواجهات وصدامات مع الحكومة، وهذا امر ايجابي يسجل للحكومة اضافة الى حصول استجابات وحزم اصلاحات وان كانت قليلة الا انها غطت مساحات مقبولة وكان لموقف المرجعية الدينية الايجابي والمؤيد لمطالب المحتجين والمتظاهرين اثر كبير في ذلك. الجماهير مطالبة بمواصلة الضغط والتظاهر والاستفادة مما تحقق اضافة الى ان تعويد الجماهير على المطالبة بحقوقها يدفعها الى الايمان بالتغيير ومواصلة الكفاح من اجل تحقيق الاهداف الوطنية. وباسهام القوى المدنية الديمقراطية والليبراليين والاسلاميين المتنورين والديمقراطيين والعلمانيين وغيرها من القوى في الشارع العراقي، لا بد لها من التنسيق والاتفاق مع بعض القوى لغرض مواصلة الاصلاح وهذا يحتاج الى اصطفاف سياسي شعبي واسع لدعم الاصلاح.
واكد التقرير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية على ان " الكتل والائتلافات السياسية المشاركة في الحكم ليست موحدة داخلها في المعارضة او القبول بالاصلاح فثمة انقسامات واضحة". اما القوى الخارجية فلها حساباتها ومصالحها ابتداء من الولايات المتحدة ودول اوربا وبلدان الجوار الاقليمي، فالبعض متوجس والآخر متحمس وغيره له حسابات ورغبات في تواصل الخراب العراقي ويريد من خلاله عراقاً ضعيفاً ومحترقاً.
الحراك الجماهيري .. انجازات وآفاق
لقد حاول البعض ان يدفع بالحراك الجماهيري الى المواجهة مع آخرين من خلال اثارة قضية الدين والعلمانية معتبرا ان المتظاهرين يرومون التجاوز على المقدس الديني الا ان سلوك المتظاهرين المنضبط والمدني والدعوات الديمقراطية والمطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد والفاسدين والموقف الايجابي للمرجعية كل ذلك فوت على اعداء الاصلاح والطائفيين فرصة تحقيق اهدافهم، لقد حقق الحراك الجماهيري اهدافا عدة وشكل اساساً لعمل مطلبي مستقبلي، حيث اكد اجتماع اللجنة المركزية على ان الحراك الجماهيري كان انجازا كبيرا وفرصة سانحة لاصلاح الواقع وتجاوز سلبياته لانه عبر عن شعور حقيقي لمئات الآلاف لا بل الملايين من ابناء وبنات الوطن " لقد انخرط في الحراك الشعبي باشكاله الاحتجاجية المتنوعة وفي مقدمتها التظاهر مئات الآلاف من المواطنين، نسبة كبيرة منهم لا ينتمون الى اي تشكيل سياسي وثمة اضعافهم من تابع الحراك وتعاطف معه ومع مطالبه من دون المشاركة المباشرة في فعالياته، لذا فان الشعارات والمطالب التي كانت تحملها بالاساس النخب ذات الوعي السياسي والثقافي المتقدمين اكتسبت بعدا جماهيريا".
ما هي محصلة التظاهرات والحراك الجماهيري؟
نعم لقد كان الشعب بحاجة الى تدريب وبروفة لكي يمارس دوره التاريخي، فبعد غياب وتغييب للشعب طيلة نصف قرن من الحكم الدكتاتوري امتدت من شباط 1963 حتى السقوط في 9 نيسان 2003، بدأت خطوة تدريبية ولعل اولها في شباط 2011 مع مطالبات عمالية وتظاهرات هنا وهناك نجد ان الحراك الجماهيري الذي بدأ في 31 تموز 2015 وتواصل حتى الساعة، لم يكن عملا عبثيا او غير مجد بل العكس تماما، فقد اكد الاجتماع على ان لحراكنا الجماهيري هذا حصيلة وتجليات وآثار آنية ومستقبلية وفوائد جمة للشعب والوطن يتوجب علينا نحن الجماهير ان نتواصل معها ونرسخها ونديمها ونحولها الى جزء من ثقافة مجتمع، فشعبنا المعروف بتاريخه ونضالاته قدم الآلاف من الضحايا وتاريخا مشرفا من المقاومة والوقوف بوجه الظلم حيث كان لأبطال وشهداء الحركة الوطنية والديمقراطية تاريخ لامع ومضيء حاولت الانظمة العميلة والدكتاتورية تشويهه والتعتيم عليه، لكن ابناء العراق اليوم يسطرون تاريخا جديدا ومقاومة نموذجية وبأساليب حضارية للحصول على حقوقهم ومكاسبهم وفي مقدمتها بناء الدولة المدنية الديمقراطية. وقد يتساءل البعض عن ما تحقق لنا من هذه التظاهرات وهذا الحراك الجماهيري؟ وقد اوجز الاجتماع ذلك بالآتي:
1- اشاعة مفهوم الدولة المدنية.
2- كسر هالة القداسة لعدد من الرموز.
3- اهتزاز اساس البناء السياسي الطائفي.
4- احدثت تصدعات في جدار المحاصصة.
5- وضعت الاصلاح والتغيير على جدول الحياة السياسية وصعوبة التراجع عنه.
6- حفزت المرجعية العليا في النجف على اتخاذ مواقف اكثر وضوحا وحزما في مطالباتها للحكومة بالاستجابة لمطالب الجماهير المشروعة وضرب رؤوس الفساد وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.
7- تمرير قانون يخص الاحزاب السياسية والعمل في مجلس النواب.
8- بددت مراهنة القوى المتنفذة على سكوت الشارع وخطأ الاعتقاد بان قوى معينة وحدها قادرة على تحريك الشارع.
9- تفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب الذي استأنف عمله باستجواب الوزراء.
10 نجح الضغط الشعبي في فرض استقالة وازاحة مسؤولين كبار.
11- الترشيق الوزاري.
12- الاعلان عن تخفيض رواتب ذوي الدرجات الخاصة.
13- التظاهرات اسهمت في رفع مستوى وعي مئات الالاف من المواطنين وخاصة الشباب.
14- جعلت من الاحتجاج والتظاهر ممارسة اعتيادية وكسرت حاجز الخوف.
15- لحظة وعي وتاسيس وعي جديد مدني ديمقراطي.
16- انتشار فكرة العدالة الاجتماعية.
17- تصاعد حملات التضامن مع الشعب العراقي من اجل انجاح مسيرة الاصلاح والتغيير.
ماذا ينقص هذا الحراك الجماهيري؟
بالرغم من تواصل الحراك الشعبي والتظاهرات الاسبوعية العارمة الا ان هناك نواقص واضحة لابد من تجاوزها وفي المقدمة الافتقار الى القيادة الموحدة وهذا تسبب في ارباكات واختلاف في الشعارات او بروز التطرف هنا وهناك. وقد اكد اجتماع اللجنة المركزية الاخير على ذلك ( ان النقد الذي يوجه الى التظاهرات والحراك الشعبي بشأن افتقاده الى القيادة الواضحة ينطوي على قدر غير قليل من الصحة. فخطوط نجاح الحراك محدودة ما لم تحسن ادارته ويتم التوصل الى فرز قيادة جماعية واعية صاحبة ارادة قوية وفاعلة) ولابد لنا من ان نعي اهمية الجانب الفكري في هذا الحراك حيث طرحت مجموعة من الشعارات في ساحات الشرف والتظاهرات وفي مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الكتابات وشعارات ومطالب متطرفة وعدمية ضارة بالحراك ومطالب مدنية ولكنها غير واضحة المعالم حتى لمن رددها! وقد طرحت عدة افكار ومقترحات من عدة جهات لكيفية التخلص من المحاصصة الطائفية فالبعض يريدها سياسية كمخرج ولكننا نقول ان هذا الحل في ظل ظروف العراق قد يسبب حكم طيف واحد وتغييب الاطياف الاخرى وانتقال القيادات الى صفوف المعارضة وهذا غير ملائم اليوم. وقد ذكر التقرير الصادر عن الاجتماع : (إن الغاء المشاركة وتمثيل الاطراف الممثلة للأطياف الاخرى في الحكومة يخلق تعقيدات وتوترات سياسية قد تنتقل الى الشارع).
والبعض الآخر يقترح تشكيل حكومة تكنوقراط بدلاً عن المحاصصة ونرى نحن كشيوعيين ان هذا الحل غير واقعي وغير عملي. فمن اين تأتي قوة الوزير التكنوقراطي اذا لم تسانده قوة سياسية؟ وترى اللجنة المركزية (ان التخلي عن المحاصصة كما هي مطبقة الان يمكن ان يتحقق بصيغة متدرجة وفي المقدمة ان يأتي اعتماد المواطنة وليست المؤسسات وليس "التوازن") وان يتم اختيار الوزير على اساس كفاءته ونزاهته ومهنيته العالية اولا ثم الاعتبارات الاخرى وليس العكس!
الفساد وارهاب داعش وجهان لعملة واحدة!
البعض يتحدث عن مساوئ المحاصصة وأثرها السيء على الشعب والوطن ولكنه بالحقيقة طائفي "حد النخاع" فالفساد والمفسدين يطالبون بتأجيل الاصلاح لان ذلك يلهينا عن قتال داعش وقد تصرف هذه التظاهرات بعض قوتنا عن الحرب، ونحن نرى ان هذه الدعوات "مسمومة" ولها اهداف اخرى فالفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة حيث اكدت اللجنة المركزية: (في رأينا ان هذه الانتقادات غير مبررة لأن الارهاب والفساد وجهان لعملة واحدة حيث نخر الفساد المؤسسة العسكرية وتسبب في سقوط الموصل ومن ثم مدينة الرمادي، وان المكافحة الحازمة للفساد ومحاسبة الفاسدين من شأنها حماية ظهر القوات المسلحة والحشد الشعبي وكل المقاتلين ضد داعش).
هذه جملة ملاحظات وقراءات اولية لتقرير اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.