المنبرالحر

الفساد / عريان السيد خلف

يقال أن لكل تحول حين يصبح ظاهرة أو نمطاً مضار وفوائد. فالحضارة بقدر ما هي ضرورة للانسان فانها تنتزعه من عفويته وغرائزه ولو بالتدريج، مما يجعل البعض يتشبث بتخلفه وقناعاته التي جبل عليها وتوارثها من اجيال سابقة.
وبغض النظر عن الفائدة والضرر تستثمر هذه التواترات نتيجة افرازات العقل البشري الرفيع التطور، في الخلق والابداع والاكتشاف والبحث عما هو جديد وغريب ومذهل.. فالتطور التكنولوجي جعل ما لا يصدق حقيقة واقعة كما يفعل (الكومبيوتر) الآن والفيس بوك. فيجمع لك وبقاراته ودوله في سلة واحدة تأخذ ما تحتاجه او ما يعجبك منها اخباراً او مشاهد او احاديث ولقاءات مع من تريد من اطراف الارض وفجاجها ولا يكلفك ذلك غير الضغط على زر شيطاني ينفذ لك طلباتك ورغباتك بكل دقة.
يقول (عبيد) وهو من اعداء (الفيس بوك): هذه مشكلة لا حل لها لأن أولادي واحفادي لا يكلم بعضهم بعضاً وكل منهم منهمك بعالم آخر امام (الاي باد) او (الفيس بوك) او الحاسبات، حتى صارت عائلتنا الكبيرة تعيش كما الاغراب في بيت واحد وعندما احتاج الى حاجة ما لا يستجيب لي أحد مما يضطرني أن أقوم أما لاشرب الماء او اعمل (استكان) شاي دون ان ينتبه لي احد من زوجات ابنائي او بناتي واحفادي.
مرة جاءني حفيدي ذو الخمس سنوات وهمس بأذني: جدو.. جدو، ليش تبقه ما تفتهم خل اعلمك (عالفيس بوك) ابتلفونك، واعلمك اشلون تحچي (عالفايبر) وشلون اتسوي صداقات وشلون تعرف الاخبار أول بأول. حاولت أن أملص أذنه لكنه هرب سريعاً كالقط. تأملت في كلامه طويلاً ولكني ادري ان هذه الاشياء تحتاج الى خلك ووقت وأنا (صايره روحي ابخشمي).
وهكذا تجد العائلة تسهر ليلاً وتنام نهاراً حين يذهب الاطفال الى المدارس وهم شبه سكارى بسبب السهر على (الاي باد). عرفت ان هذه الفوائد الكبيرة والمهمة التي يقدمها (الفيس بوك) ليست دون ثمن، وثمنها باهض فهي تلغي تدريجياً الروابط الأسرية والوشائج التي جبلنا عليها وحين تجتمع الاسرة لتشاهد فلماً تلفزيونياً او مسلسل بين تعليقات وضحكات ومحاورات في جو عائلي تسوده المحبة والالفة والحنان.
قبل ثلاثة ايام، والحديث (لعبيد) يقول: دخلت الى غرفة الحاجة ام مالك فوجدتها جاحظة على (الموبايل) وهي تحرك اصابعها كعازف بيانو من الطراز الاول. وهي غير مكترثة بدخولي حتى لم ترفع رأسها لتسألني ما أريد!
سألتها: «حجية ما تكليلي شدورين مو راحت عيونچ؟» ردت دون ان تنظر الي وقالت: «أدور على الفساد»!!
أحسست أن الدنيا دارت بي وأرتكزت على الحائط حتى لا اقع ثم هرعت ابحث عن (جزازي) وأنا أصرخ «افه آنه اخو فاطمه» ولچ تالي عمرچ وتدورين فساد؟.. قامت وامسكت في يدي وهي تقول: «يا ابو مالك انته عقلك وين راح آنه ادور على الفساد المالي»!