المنبرالحر

قالها الشعب ويقولها اليوم / سامي سلطان

صفحات مشرقة من تاريخ العراق الحديث، هي تلك التي وقف فيها كل العراقيين صفا واحدا، رافعين اصواتهم واكفهم بكل جرأة واقدام، بوجه العملاء واذناب الاستعمار ، سراق ثروا ته، بعد أن بسط الاحتلال البريطاني سيطرته على البلاد ،وبدأ باستنزاف خيراته حتى أمتلأت أسواق لندن بها، إلى جانب استنزاف الموارد الوطنية الأخرى، إذ جرى الإعداد لتكبيل العراق بمعاهدات جائرة لاذلاله، ووضع كل مقدراته رهنا بإرادة المحتل، بالاعتماد على حفنة من السياسيين والعسكريين الذين تربوا على أيديهم ومن خريجي البلاط العثماني .
لقد فاجأ العراقيون الدوائر الاستعمارية، حين عبروا عن إرادتهم الوطنية، في وقفات مشرفة، كتبت بأحرف من نور، ابتداءاً من إضرابات عمال الموانئ في البصرة 1918، و ثورة العشرين مرورا بالانتفاضات والاضرابات والتظاهرات، في اعوام ، 1920و1946، وتوجت ذلك في وثبة كانون 1948، وتبعتها اضربات عمال الموانئ والنفط والسكك الحديدية واضرابات عمال السكاير وعمال الزيوت النباتية، وغيرها، في هبات شعبية جريئة، اسهمت في اسقاط العديد من الحكومات، بعد أن تفاقمت المعاناة الاقتصادية والاجتماعية ، نتيجة الاستغلال البشع الذي تعرض له المواطنين العراقيين، على أيدي الحكومات العميلة، التي ساهمت سياساتها الرعناء في الامعان بهدر كرامة المواطن العراقي وإذلاله.
عبر الشعب العراقي ممثلا بفصائله السياسية الوطنية وأبنائه الشرفاء عن اصالته، ورفض الخنوع وواصل حراكه الشعبي، وهيأ الأطر السياسية، التي مهدت السبيل إلى انطلاقته في صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958، متلاحماً شعباً وجيشاً بعربهِ وكوردهِ وكل أقلياتهِ المتآخية، هذه الثورة، التي دشنت عهدا جديدا في تاريخ العراق الحديث، حيث جاءت بعد مخاض عسير ، في وقت كانت فيه قوى الاستعمار المتحالفة مع الرجعية المحلية والإقليمية ، مهيمنة على كل مرافق الحياة ، صار من الضروري انتشال الوطن و ثرواته من الضياع .
إن ثورة 14 من تموز بقيادة زعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم ورفاقه الشجعان، أذهلت سلطات الاحتلال والقوى الرجعية المتحالفة معه، حيث أقدمت على خطوات جريئة، في اطار إنقاذ الوطن من براثن الاستعمار ، ووضعت الأسس السليمة لاستكمال السيادة الوطنية ، وذلك من خلال إصدار العديد من القوانيين ، مثل إعادة ملكية شركة النفط العراق، بإصدار قانون رقم 80 ، وكذلك قانون العمل والضمان الاجتماعي، وقانون الإصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية، الذي يعد من أفضل القوانين في المنطقة في مجال أنصاف المراءة.
إن السنوات الأربع من عمر ثورة تموز، كانت حافلة بالإنجازات، التي وضعت في أولوياتها، إنصاف الفقراء والمعدمين، فبادرت إلى إقامة مدن عصرية لهم، بعد أن كانوا يعيشون في مناطق غير صالحة للعيش الادمي في حزام بغداد ،التي كانت خاليه من ابسط الخدمات .
إن القوى الرجعية الفاسدة وحلفاءها في الداخل والخارج لم تتوقف في عدائها لثورة تموز،ونهجها الوطني، إذ أنها واصلت المؤامرات الواحدة تلو الاخرى، ابتداءا من محاولة اغتيال الزعيم قاسم ، وحرق خزانات وقود محطة الكيلاني في بغداد ، وانتهاءا بالتحريض على استعداء عبد الكريم قاسم للقوى الوطنية والتقدمية، الذي انتهت إلى زج العديد منهم في السجون، مستغلين، طيبته وقلة خبرتهِ في العمل السياسي، حيث أدركوا، أن عزل قيادة ثورة تموز عن القوى الحريصة على مصلحة الشعب والوطن، كفيل بالاجهاز عليه، وعلى الاصلاحات التي انصفت الضعفاء، وقد تحقق لهم ذلك، في شباط الأسود عام 63 المشؤوم، مستعينين بالقوى الخارحية الطامعة بخيرات العراق، والقوى الرجعية في الداخل، من الفاسدين الذين تضررت مصالحهم المريضة نتيجة الإصلاحات التي جاءت بها ثورة تموز، حيث صرح قادة انقلاب شباط الاسود المقبور، بأنهم جاؤوا للسلطة بقطار امريكي، وهنا يحق القول أن قسما ممن يتربعون على قمة هرم السلطة في عراق اليوم لايختلفون عن اسلافهم،في عدائهم لاي اصلاح، لأن البيئة الصالحة، لاتمكنهم من الإيغال في الفساد، المالي والاداري، وبهذا فانهم وجهان لعملةَ واحدة، وان اختلفت الكيفية، فأن المبدأ واحد، هو ان غاياتهم تبرر وسائلهم القذرة، في ارتكاب الجرائم، وبصرف النظر عن حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات، ولا حتى خسارة وطن باكمله .