المنبرالحر

أَبُو سُكينةْ وباصْ ستّاليِن ! / يوسف ابو الفوز

عدت الى محل سكني ، وفي بالي ترن الضحكات التي اطلقها صديقي الصدوق أَبُو سُكينة وهو يستمع الى الطرائف التي رحنا نتبادلها أنا وجَلِيل، والتي تناولت الاوضاع المأساوية التي يعاني منها شعبنا العراقي. تعلم العراقيون العيش وفق معادلة «شر البلية ما يضحك «، ولطالما كانت النكتة سلاحهم للتعبير عن موقف رافض أو احتجاج على اوضاع معينة. هكذا تداول وتوارث العراقيون سلسلة لا حد لها من النكات عن الطاغية صدام حسين وعائلته وزبانيته وحروبه غير العادلة. كانت أول الضحكات حين روى جَلِيل ان العراقيين لم يسلم منهم المسلسل التلفزيوني?الامريكي المشوق «الحسناء والوحش»، الذي عرض لأول مرة عام 1987 وحاز شهرة عالمية كبيرة. يحكي المسلسل عن الصحفية كاثرين تشاندلر ( مثلت دورها الحسناء ليندا هاملتون)، حيث تم الاعتداء عليها، فيقوم بأنقاذها ورعايتها فنسنت ( مثله رون بيرلمان)، والذي هو مخلوق بجسم وعقلية بشرية لكنه بوجه وحش يشبه القط المتوحش، ويسكن في مجاري وانفاق مدينة نيويوك مع الكثير من الناس الذين يشكلون عالما اخر غير معروف . العراقيون صاروا يتناقلون حكاية ان فنسنت العراقي قرر ترك العراق واللحاق بموجة الهجرة الى اوربا، وحين بكت بين ذراعيه الحسنا? اخبرها ان المجاري طفحت بأول زخة مطر وفاضت شوارع بغداد ولم يعد له مكان يأوي اليه !!
لم يكن ضحك أَبُو سُكينة للتسلية، بقدر ما كان ضحكا كالبكاء. كنت ارى في عينيه حزنا دفينا، جعلني الكز جَلِيل عدة مرات لكنه لم يتوقف. انقذتني زوجة جَلِيل وهي تسأل عن تطورات مسلسل الوثائق الرسمية التي بدأت تظهر وتنشر، وما صار يعرف بـ»وثائق احمد الجلبي»، والتي دفعت البنك المركزي العراقي إلى الاعتراف بتهريب الاموال العراقية وبمليارات الدولارات، وعن اتخاذه سلسلة إجراءات قانونية بحق المصارف والزبائن المخالفين للتعليمات الخاصة بمزاد العملة الصعبة للاعوام ما بين 2006 حتى 2014، حينما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء. ت?ير مجرى حديثنا كله. زوجتي قالت : هذه الوثائق أذا تم التعامل معها بشكل قانوني ومنصف، سوف تفضح الوجه الحقيقي لوحوش الفساد، الذي يعتقدون ان الشعب غافل عنهم . سُكينة من جانبها قالت إذا مَنعت القوى الامنية التظاهرات من الوصول الى المنطقة الخضراء، فلا يمكنها منع تصاعد صوت الشعب العراقي ، الذي لم يعد بإمكانه السكوت عن وحوش وحيتان الفساد . قال جَلِيل بحرقة : هؤلاء المفسدون ... الى اين يقودون الوطن ؟!
عقب أَبُو سُكينة بألم : يريدونه أن يكون باصا في محطة أنتظار لفترات طويلة وربما أبدية !
أَبُو سُكينة هنا يشير الى حكاية قرأتها له قبل أيام عن القائد السوفياتي جوزيف ستالين ( 1878 � 1953) الرجل الحديدي، الذي عرف كونه عسكريا شديدا ومن الطراز الاول ، ونشر عنه مؤخرا انه لم يكن معروفا عنه، كونه ميالا للسخرية والمزاح أحيانا. ويروى عنه أنه في اجتماع رسمي سأله احد الحاضرين أن كان باص «النصر» سيتم تسميته «الوطن». فرد ستالين من فوره ساخراً: حسنا، وكم من الوقت ستكون فترة انتظار «الوطن»؟