المنبرالحر

هل العراق بحاجة الى القروض الخارجية؟ / عادل عبد الزهرة شبيب

قد تلجأ بعض الدول الى الاقتراض لتمويل نفقاتها العامة عندما تعجز عن توفير ايرادات اخرى فتقترض أما من الافراد أو الهيئات الداخلية أو من الدول الاجنبية. وتشكل الديون السيادية( اي الديون المترتبة على الحكومات ذات السيادة) أزمة عندما تفشل الحكومة في سداد ديونها والفوائد المترتبة عليها بالعملات الاجنبية,حيث أن توقف الحكومة عن سداد ديونها يؤدي الى فقدان المستثمرين في الاسواق الدولية وتجنبهم الاشتراك في أية مناقصات وفقدان الثقة بهذه الدولة.
فالقروض اذن هي مبالغ من المال تحصل عليها الدولة من الدول الاخرى أو من المؤسسات الدولية مع تعهد برد المبلغ المقترض ودفع الفوائد طوال مدة القرض وفقا لشروطه.
هناك دعوات لعدد من كبار المسؤولين في الحكومة العراقية تتمثل في اللجوء الى الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي لسد العجز في الموازنة الاتحادية بعد الانخفاض الحاد في اسعار النفط في الاسواق العالمية. فهل العراق فعلا بحاجة الى القروض الخارجية؟ وما المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها من جراء هذه القروض؟
في الحقيقة أن العراق ليس بحاجة الى القروض الخارجية كونه دولة نفطية ولديه موارد مالية كبيرة ورصيد كبير من العملة الاجنبية وقادر على تسديد التزاماته المالية وتحقيق التنمية اذا أحسن استخدام موارده المالية ووجهها إلى الاستثمار في مشاريع اقتصادية تدر عليه ربحا كبيرا وفائدة بعيدا عن مافيات الفساد المتغلغلة في معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية. اذا اعتمد التخطيط الشامل وتجنب الهدر والتبذير ووقف بحزم ضد الفاسدين وحاسبهم بشدة واسترد ما سرقوه وقدمهم للمحاكمة, وعمل على الغاء استيراد سلع الترف والكمالية والغاء استير?د السلع التي يمكن انتاجها محليا ووضع حد لسياسة الاغراق المعتمدة حاليا, وتشجيع المعامل المتوقفة ودعمها بالقروض الميسرة وتشجيع الانتاج الزراعي بالقروض والاسمدة الكيمياوية والآليات والارشاد الزراعي ووضع حد لاستيراد سلة الغذاء من البلدان المجاورة.
ان اغراق البلد بالديون الهائلة قد يعرض العراق الى أزمة وقد يصبح عاجزا عن تسديد ديونه خاصة وانه يعتمد على اقتصاد أحادي الجانب سرعان ما خضع إلى ازمة انخفاض أسعار النفط العالمية وهبوط موارده المالية, وتشير تجربة بعض الدول التي لم تتمكن من سداد ديونها وفوائدها الى اقدامها على بيع اصولها الانتاجية مقابل سداد هذه الديون ولا نريد للعراق أن يلجأ الى هذا الامر. ثم في حالة اقتراض العراق ,من يضمن استغلال القرض في اقامة المشاريع الاقتصادية التي تدر عليه ارباحا تسهم في حل مسألة العجز في موازنته في ظل هيمنة الفاسدين على?مؤسسات الدولة المختلفة؟
وكما هو معلوم فان المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية تهيمن عليها الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي تقوم بالضغط على البلدان النامية لغرض ربطها بالديون الخارجية عندما تواجه ظروفا اقتصادية صعبة وحاجتها لتغطية نفقاتها وتمويل مشاريعها الاقتصادية بسبب العجز المستمر في ميزان مدفوعاتها وهذا يساعد المؤسسات على فرض شروطها المجحفة قبل منح القروض ما يجعل هذه البلدان في تبعية اقتصادية وسياسية للأنظمة الرأسمالية المتطورة. وبهذا الصدد فقد أظهر? دراسة أن عدد الشروط التي يلحقها صندوق النقد الدولي بقروضه قد زاد في السنوات القليلة الماضية, وقالت الشركة الاوربية بشأن الديون والتنمية المعروفة باسم ( يوروداد) أن الدول التي تكون في حاجة ماسة الى الاموال تجد نفسها في موقف ضعيف في تعاملاتها مع صندوق النقد الدولي الذي شبهته بأنه كمن يتفاوض وهو يصوب بندقية الى الطرف الاخر, واضافت أن صندوق النقد ألحق 20 شرطا في المتوسط بكل قرض وافق عليه على مدى العامين المنصرمين. وقالت الدراسة أن الكثير من الشروط تركز على مجالات مثيرة للخلاف سياسيا مثل تخفيضات في اجور القطاع?العام أو اصلاح القطاع الخاص.
ان شروط صندوق النقد الدولي بمنح القروض تشترط تصفية القطاع العام ومؤسساته ورفع الاسعار ورفع الدعم الاجتماعي والغاء البطاقة التموينية وفرض الضرائب الداخلية وعدم فرض القيود على التجارة والترويج للخصخصة وغيرها من اجراءات هي لخدمة مصالح الدول الرأسمالية الكبرى بهدف ربط الدول النامية باقتصاداتها.
ان الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي يسعى العراق اليه بشروطه المجحفة ستدفع البلاد الى هاوية الفقر والعجز والسقوط بفخ الامبريالية العالمية خاصة اذا علمنا أن من شروط صندوق النقد هي الفوائد المركبة التي تعني اضافة الفوائد سنويا الى مجموع المبالغ المقترضة حيث سيتضاعف كل دولار واحد الى دولارين خلال فترة ثلاث سنوات وقد يعرض ذلك البلد الى الافلاس كما حصل مع اليونان مؤخرا, كما ان البلد قد يفقد استقلاله عندما تصبح الرواتب والاسعار والضرائب خاضعة لقرارات صندوق النقد ,اضافة إلى توصيته بالتخلي عن القطاع العام وتصف?ته وبيعه للافراد.
ان سياسة صندوق النقد الدولي لا تتلاءم مع التنمية الاقتصادية المستقلة التي تتطلب التدخل في الشأن الاقتصادي واستخدام التخطيط العلمي الشامل لتجاوز التخلف والسير في طريق النمو والتطور الاقتصادي.
وعليه ينبغي تجنب الاقتراض من المؤسسات الرأسمالية الدولية حيث أن العراق ليس بحاجة الى القروض وانما هو بحاجة الى حسن ادارة أمواله وبحاجة الى وضع استراتيجية اقتصادية وسياسة مالية ونقدية فاعلة وبحاجة الى اقتلاع الفساد من جذوره وبحاجة اليوم الى تأهيل القطاع العام ومؤسساته الانتاجية ومساعدة القطاع الخاص وتشجيع مبادراته وتقديم الدم له ومعالجة أوضاع الكهرباء والوقود والعمل على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على القطاع النفطي وحده. العراق اليوم بحاجة الى نشاط القطاع العام والقطاع الخاص والمختلط والتعاوني لتطوير ?قتصاده بعيدا عما تروج له المؤسسات الرأسمالية الدولية.