المنبرالحر

نحو بناء سوق عمل تحقق العمالة الكاملة / ابراهيم المشهداني

في تصريح له قدم المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح جملة من العناوين الكبيرة التي لها علاقة بالتوجهات الحكومية في المرحلة المقبلة لخصها بالمباشرة في تنفيذ استراتيجية الامن الاجتماعي وهدم "سور الصين العظيم" بين الدولة والقطاع الخاص وإنشاء مجلس السوق ليكون بديلا عن اللجنة الاقتصادية وإنشاء سوق العمل من خلال استراتيجية التحول الى القطاع الخاص وتأسيس مراكز للتدريب منوها الى ان هذه الاستراتيجيات تم وضعها بالتنسيق مع البنك الدولي، وتشكل هذه العناوين في ظاهرها حزمة برنامجية فاعلة اذا ما تم ربطها بإستراتيجية اقتصادية تنموية مستدامة.
وفي هذا المقال نتوقف عند مفردة تأسيس سوق العمل ونؤجل الخوض في المفردات الاخرى التي تحتاج الى ابحاث موسعة خصوصا وان استراتيجية الامن الاجتماعي بإبعادها وتفاصيلها لم تكن واضحة، وتحتاج الى جهد اوسع لمعالجتها.
والحديث عن سوق العمل يقودنا الى تسليط الضوء على العمالة والمفاهيم المرتبطة بها من قبيل البطالة الكاملة والبطالة القسرية والبطالة الاحتكاكية، والعمالة القصوى او الكاملة عند العالم الاقتصادي ولاس بترسون في كتابه الدخل والعمالة والنمو الاقتصادي، انه وضع يتميز بانتفاء البطالة القسرية التي تعني عندما يكون جانب من افراد القوة العاملة راغبين في العمل المأجور السائد في صناعاتهم من دون ان يجدوا عملا. والعمالة الكاملة في اي مجتمع من المجتمعات هي هدف جميع الدول بما فيها العراق ، تتحقق عندما يخفض ذلك المجتمع البطالة الاحتكاكية الى الحد الادنى ويقضي على البطالة القسرية.
ان ايجاد سوق عمل في العراق راسخة ومستقرة يحتاج الى وفرة من العوامل الاقتصادية والتشريعية والتنظيمية ترتبط ارتباطا عضويا باسترتيجية اقتصادية متكاملة مشرعة برلمانيا وملزمة للسلطة التنفيذية فهل نحن ازاء تأسيس سوق على درجة عالية من الانضباط كي تتحقق العمالة الكاملة، وهل هذا الهدف مقصور على القطاع الخاص فحسب من دون ان يكون للدولة دور فاعل ؟ ان الاجابة على هذه الاسئلة تستلزم قبل اي شيء اخر دراسة الواقع الراهن لسوق العمل في العراق .
فالاحصاءات المنشورة تبين ان نسبة العمالة في القطاع الحكومي اكثر منها في القطاع الخاص، ففي عام 2007 كانت نسبة 76 في المئة من فقراء المدينة
و81 في المئة من فقراء الريف يعملون في القطاع الخاص، كما تشير اخر الاحصاءات الى ان عدد العاملين في القطاع الحكومي يزيد عن اربعة ملايين موظف من مختلف الاختصاصات ما يعني من جهة ان هذا القطاع كان الاوفر حظا في احتواء المعروض من العمل، الامر الذي يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة من جهة، والاخرى يؤكد ضعف قدرة القطاع الخاص على جذب العمل مما هو معروض وهو في الوقت نفسه يشير الى تعاظم الهجرة من الريف الى المدينة وخلق ظاهرة العشوائيات المنتشرة في العاصمة بغداد ما ادى الى شح كبير في خدمات الكهرباء والماء والخدمات البلدية.
وبناء على كل ما تقدم فان بناء سوق عمل متوازنة بين القطاعات الاقتصادية، وبين المدينة والريف يلقي على عاتق الدولة جملة من المهمات نشير الى ابرزها بما يلي :
- وضع خطة متجانسة لتوزيع المصانع والمشاريع الاقتصادية الانتاجية بين المدينة والريف على اساس وفرة المواد الاولية وطبيعة الانتاج، تحقق التكامل بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ولأجل تحقيق هدف استراتيجي يتضمن تشغيل الايدي العاملة في الريف ومنع الهجرة الى المدينة بل وتحقيق الهجرة المعاكسة .
- توفير الضمانات الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص اسوة بالقطاع العام لتشجيع الانتقال الى العمل في القطاع الخاص وتطبيق القوانين ذات العلاقة بالعمل والضمان الاجتماعي .وهذا يتطلب تقديم الدعم الكامل للقطاع الخاص وفي المقدمة الاستغلال الكامل لقرض البنك المركزي البالغ 6 تريليونات دينار عراقي .
- التوسع في انشاء مراكز التشغيل ووضع البرامج التدريبية وفقا لحاجة المشاريع الانتاجية وتهيئة مستلزماتها، وبما يتناسب مع حاجة القطاعات الاقتصادية على اختلافها.