المنبرالحر

محاكمة مشروع قانون المحاماة بتهمة عدم الالتزام بمبدأ تداول السلطة / ضياء السعدي*

ان المدخل لابداء اية ملاحظات تتعلق بالمبادئ والافكار والرؤى التي استُند اليها في صياغة مشروع قانون المحاماة الجديد وهو يعرض هذه الايام امام مجلس النواب للقراءة الثانية يقتضي منا الاشارة وبامانة ومن دون اغفال، الى ان هذا المشروع لم يأت من فراغ فهو نتاج سعي متواصل لجميع المحامين العراقيين ومجالس النقابة التي تعاقبت على قيادتها وعلى امتداد عدة عقود من الزمن، وبعد اقل من سنة على تاريخ صـــــــدور قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 النافذ في 22/12/ 1965بعد نشره في جريدة الوقائع العـراقية بالعدد 1213.
وكان المحامون ينشدون ولا زالوا انجاز قانون محاماة عصري يفي باحتياجات المحاماة الحقة ومتطلباتها، ويراعي مصالح المحامين، والاعتراف بدورهم. ويستهدف ايضا تنظيم العمل النقابي ومؤسساته على ضوء معطيات ومفرزات قوانين المحاماة السابقة وتعديلاتها، والاسس الارشادية المتكونة من جملة من المبادئ والمعايير المعتمدة في الاتفاقات الدولية وصكوكها الصادرة من الامم المتحدة.
وبدافع الانتصار لقضية المحامين الاولى والتي تشكل همهم اليومي وأملهم المنشود في تنظيم قانوني جديد يحقق طموحاتهم وآمالهم ويعزز رفعة المحاماة وسموها، نضع مشروع قانون المحاماة الجديد تحت النظرة الموضوعية الفاحصة لبعض نصوصه، لنجدها غير مقبولة ابداً لتعارضها كلية مع قواعد اساسية لازمة لا فرار منها، تحكم العمل النقابي، وقد تم تجاوزها، في حين اخذت بالاعتبار عند صياغة مشاريع قوانين المحاماة الاخرى السابقة لهذا المشروع، مما يفرض توسيع دائرة الحوار الموضوعي والجاد وبقصد اثراء مضمونه وتطويره وبما يخدم المحاماة ومستقبل?نقابة المحامين.
ليس بالمقدور الاحاطة الكلية هنا بمشروع قانون المحاماة الجديد، مبادئ ونصوصا قانونية، في هذه المداخلة المتوفرة. فسيقتصر البحث هنا بشأن نقطة واحدة مهمة هي: موقف مشروع قانون المحاماة بخصوص جواز او عدم جواز انتخاب نقيب المحامين لاكثر من دورتين متتاليتين؟
الثابت وبعد مراجعة ابواب وفصول مشروع قانون المحاماة الجديد، ولا سيما النصوص الباحثة في الشروط المطلوب توفرها في النقيب، لم نجد فيها اجابة شافية عن سؤالنا المطروح. فهي ساكتة وبعبارة ادق لم يتطرق المشروع صراحةً او دلالة لجواز انتخاب النقيب من عدمه اكثر من مرتين متتاليتين. وان هذا السكوت، يشكل اغفالاً متعمدا ومنتقداً، لانه يخلق غموضا وارباكا في احدى اساسيات المشروع المتعلقة بانتخاب النقيب، والذي ينبغي التصدي بنص قاطع لا يحتمل التأويل المغاير لأهميتها، ولأنه قانون تتعلق نصوصه في الدرجة الاولى بالمحامين والمهنة?والنقابة.
لقد انتهى مشروع قانون المحاماة، وتبعا لعدم وجود النص الصريح القاطع بخصوص جواز انتخاب النقيب لاكثر من دورتين متتاليتين وبصورة مفتوحة ولعدة دورات لا نهاية لها او سقف محدد، مستندا الى القرار الصادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 180 لسنة 1977، والذي لا يزال نافذاً بسبب عدم الغائه من جانب السلطة التشريعية، بالرغم من الانتقادات الحادة والمستمرة لهذا القرار.
ولغرض القاء الضوء الكاشف على مدى التعارض الدستوري والقانوني، للتوجه الذي تبناه مشروع قانون المحاماة، بتمكين النقيب من انتخابه لاكثر من مرتين متتاليتين، استنادا إلى قرار مجلس قيادة الثورة الملغى المرقم 180 لسنة 1977 لا بد من ايراد الوقائع والملاحظات الآتية:
اولا: تبين لنا القراءة المرجعية ان نقابة المحامين قد خضعت لعدة قوانين وبضمنها قانون المحاماة النافذ رقم 173 لسنة 1965 وان جميع هذه القوانين ومن دون استثناء قد حافظت على مشترك او قاعدة واحدة هي (عدم جواز انتخاب النقيب اكثر من دورتين متتاليتين) بل ان قانون التأسيس الاول لنقابة المحامين، الصادر بعد سنة 1933 قد اقتصر على انتخاب النقيب مرة واحدة، بحيث لا يجوز له الترشيح مرة ثانية بعد انتهائها مباشرة، ايماناً من المحامين المؤسسين الاوائل، بأهمية تناوب وتداول منصب النقيب بين المحامين، وسد الطريق، وبصورة قانونية ق?طعة، للحيلولة دون وقف هذا المنصب المهم او احتكاره وتأييده لحساب اي محام، كائنا من كان، نظراً لامكانية الاستخدام غير المشروع لنفوذ النقابة وقدرتها المعنوية والمالية والدعائية، للتأثير على الهيئة العامة الانتخابية للمحامين، بما لا يوفر اي نوع من تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة بين جميع المرشحين لمنصب النقيب عند اجراء الانتخابات.
ثانيا: قرابة نصف قرن من الزمن وقوانين المحاماة العراقية قد منعت النقيب من الترشيح اكثر من مرتين. وبقي الحال هكذا الى ان حل عام 1977 عندما اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل القـــرار المرقم (180) في 26/ 10/ 1977، الذي عدل بموجبه احكام المادة (84) من قانون المحاماة النـــافذ رقم 173 لسنة 1965 المعدل التي تنص على: (… ولا يجوز انتخاب النقيب اكثر من مرتين متتاليتين).
وبمقتضى هذا التعديل الذي تختفي وراءه اسباب حزبية وسياسية، اصبح للنقيب الحق بانتخابه لاكثر من مرتين. وقد قوبل هذا التعديل واسبابه ومبرراته الواهية في وقتها بالرفض والاستنكار من قبل المحامين والاوساط القانونية والحقوقية، لانه يؤسس لسيطرة فردية على النقابة تتعارض مع مبدأ تداول السلطة، التي كرستها قوانين المحاماة عبر مسيرتها الطويلة والمبتدئة منذ نهاية الثلث الاول من القرن الماضي، وقبل صدور العديد من الاعلانات والوثائق الدولية ذات العلاقة بالتنظيمات النقابية والمهنية. وللحقيقة، وعلى الرغم من الجواز القانوني ال?تمثل بقرار مجلس قيادة الثورة المشار اليه والمعدل لقانون المحاماة، فان المحامين ونقابتهم لم يشهدوا نقباء تم انتخابهم اكثر من دورتين، الا نقيبا واحدا فحسب.
ثالثا: لا بد من إعمال المبدأ الدستوري المقرر في المادة (6) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والتي تنص على: (يتم تداول السلطة….) وعليه فان تداول السلطة دستوريا لا يمكن اغفاله او تجاوزه عند وضع القانون الخاص بالمحاماة، في الجزء المتعلق بانتخاب النقيب وعدم جواز انتخابه اكثر من مرتين متتاليتين. لان من شأن القبول بهذا المبدأ، ان يؤدي الى الالتزام بالدستور ويكسب النقابة نوعا من الشرعية والمقبولية الداخلية والدولية، من خلال البناء الديمقراطي لكيانها التنظيمي. وبالقدر ذاته تغلق الباب امام الطعن بعدم دستورية القان?ن الناظم للنقابة والمحاماة. ولا يمكن الاحتجاج باقتصار تداول السلطة على السلطات الحكومية، لان التعريف الاصطلاحي والفقهي الدستوري (للسلطة) ينصرف تماما الى قيادة النقابات والمنظمات المهنية تبعا لما تتمتع به من صلاحيات واختصاصات تكون باستخدامها قادرة على الادارة وفرض السيطرة.
رابعا: لم يعد مقبولا من الشعب العراقي او على الاقل محامييه ان يصادق مجلس النواب على مشروع قانون المحاماة فاقد الالتزام بالقواعد الدستورية، او بالمبادئ الاساسية للتنظيم الديمقراطي. بل من المعيب حقا ان يكرس مبدأ التداول والتناوب في الانظمة القانونية لبعض المؤسسات الحكومية، وإبعاده عن مشروع قانون المحاماة خلافا لارادة المحامين وحقوقهم، لا سيما وان امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (77) المتعلق بديوان الرقابة المالية قد نص على (لا يمكن لرئيس الديوان او نوابه الخدمة لفترة تزيد على مدتين متعاقبتين او غير متعاقبتين) ?كذلك الامر (55) الخاص بتشكيل مفوضية النزاهة القسم (5) الفقرة (1) لا يجوز لرئيس المفوضية ان يحتفظ بالرئاسة لا اكثر من فترتين سواء كانت هاتان الفقرتان متتاليتين او غير متتاليتين) وايضــــا الامر (57) المفتشون العموميون العراقيون القسم (2) الفـــقرة (5) يتم تعيين المفتشين العموميين لمناصبهم لفترة زمنية مدتها (5) خمس سنوات ويجوز تجديد هذه المدة خمس سنوات اخرى)). عليه فان اخذ المؤسسات الحكومية بمبدأ التداول لا بد من سحبه على مشروع قانون المحاماة فيما يتعلق بتحديد انتخاب النقيب، لان المحامين ونقابتهم هم الاولى م? غيرهم بان يمارسوا الديمقراطية من داخل تنظيم النقابة بتداول منصب النقيب بنص قانوني صريح، وهم الادعى الى ذلك بسبب طبيعة النقابة والمحاماة، التي تشكل ضمانة اساسية لحقوق الانسان وحمايتها، اضافة إلى أدوارها الاخرى.
خامسا: من المفيد التطرق الى المعايير والاشتراطات المثبتة في الاعلانات والمواثيق الدولية الصادرة عن الامم المتحدة بشأن اهمية تداول مراكز القيادة في النقابات والمنظمات المهنية، مما ينبغي النص عليها في مشروع قانون المحاماة، وكذلك ضرورة التقيد باحكام المادة (78 ) من مشروع قانون المحاماة العربي النموذجي الصادر من اتحاد المحامين العرب والتي تنص على: (( …. ولا يجوز انتخاب النقيب لاكثر من دورتين متتاليتين)) باعتبار ان نقابة المحامين عضو مؤسس في اتحاد المحامين العرب طبقا لاحــكام المادة (75) من قانون المحاماة الناف? رقم 173 لسنة 1965. على ضوء الملاحظات آنفة الذكر اصبح الامل معقودا على السادة رئيس واعضاء اللجنة القانونية في مجلس النواب، لتفهمهم تبعا لاختصاصاتهم المهنية والعلمية السابقة، التدخل بما يضمن ازالة سكوت مشروع قانون المحاماة بخصوص جواز انتخاب النقيب من عدمه اكثر من مرتين متتاليتين بالنص القانوني القاطع ((بعدم جواز انتخاب النقيب اكثر من مرتين )) وطبقا لما ورد في المــــادة (84) من قانون المحاماة، وقبل تعديلها بقرار مجلس قيادة الثــــورة المرقم 180 في 16/2/1977 وعلى ان تحتسب انتخاب النقيب لمرتين متتاليتين سابقة?لنفاذ قانون المحاماة الجديد وباثر رجعي في حال صدوره ونفاذه، وذلك من خلال النص فيه على ما يأتي:
(1) لا يجوز انتخاب النقيب اكثر من مرتين متتاليتين.
(2) تحتسب انتخاب النقيب لمرتين متتاليتين السابقة لنفاذ القانون.
وبما يعكس حرصنا الشديد على تطبيق المبدأ الدستوري ((تداول السلطة)) باثر فوري ورجعي ويضمن منع انتخاب النقيب الذي استوفى انتخابه لمرتين متتاليتين، انتهت المرة الثانية معاصرة لتاريخ نفاذ قانون المحاماة الجديد.
ومن المفيد التأكيد على ان الانفراد بقيادة النقابة من شأنه ان يرتب اضرارا غير مرغوب فيها تتعدى حدودها حقوق المحامين في تداول منصب نقيبها، لان النقابة مؤسسة وطنية على التصاق مباشر بالمجتمع والسلطة القضائية، وتدخل شريكا اساسيا في تحقيق العدالة وسيادة القانون، وهذا ما يستوجب من جميع المحامين رفع اصواتهم عاليا ومطالبة مجلس النواب من اجل قانون محاماة يستجيب لارادتهم وللمبادىء الدستورية والقانون الدولي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نقيب المحامين العراقيين السابق