المنبرالحر

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد - 2004 - اين العراق منها؟ / زهير ضياء الدين

انظم العراق الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 التي دخلت حيز النفاذ في 14/12/2005 بموجب القانون رقم (35) في 8/12/2007 والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية في العدد 4047 في 30/8/2007 وبذلك اصبحت الاتفاقية جزءاً من المنظومة القانونية العراقية وملزمة له في جميع احكامها.
تتكون الاتفاقية من (71) مادة موزعة على ثمانية فصول اضافة الى الديباجة وهي :
- الفصل الاول - (احكام عامة) المواد (1-4)
- الفصل الثاني - (التدابير الوقائية) المواد (5-14)
- الفصل الثالث - (التجريم وانفاذ القانون) المواد (15-42)
- الفصل الرابع - (التعاون الدولي) المواد (43-50)
- الفصل الخامس - (استرداد الموجودات) المواد (51-59)
- الفصل السادس - (المساعدة التقنية وتبادل المعلومات) المواد (60-62)
- الفصل السابع - (آليات التنفيذ) المواد (63-64)
- الفصل الثامن - (احكام عامة) المواد (65-71)
وتكتسب هذه الاتفاقية الان اهمية خاصة في ظل النهوض الجماهيري الواسع الذي يشهده العراق والذي تعتبر عملية مكافحة الفساد من بين ابرز اهدافه نتيجة للفساد المستشري الذي نخر اجهزة الدولة في جميع مفاصلها الى المستوى الذي اصبح فيه الفساد ظاهرة شائعة وثقافة لها مقوماتها وهي مستمرة في الاتساع والتجذر من دون رادع لها ونحن من منطلق الاسهام في التصدي لهذه الآفة التي نخرت جسد الدولة العراقية وابتلعت خيراته على حساب افقار الشعب وحرمانه من حقوقه المشروعة نتناول هذه الاتفاقية في خطوطها العامة لتنوير المواطن بها بما يساعده ف? المطالبة بتطبيق احكامها لاسترجاع حقوقه المسلوبة.
تبدأ الاتفاقية بالحديث عن اغراضها المتمثلة بترويج وتدعيم التدابير الراميه الى منع ومكافحة الفساد بصورة كاملة ونجاح وترويج وتيسير ودعم القانون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات وتعزيز النزاهة والمساءلة والادارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية. وتنطبق هذه الاتفاقية وفقا لاحكامها على منع الفساد والتحري عنه وملاحقة مرتكبيه وعلى تجميد وحجز وارجاع العائدات المتأتية من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية وتنظم الاتفاقية سياسات وممارسات مكافحة الفا?د الوقائية من خلال وضع وتنفيذ وترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد و تعزيز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن ادارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمسائلة. وتتضمن الاتفاقية قيام كل دولة انضمت اليها بايجاد هيئة او هيئات حسب الاقتضاء تتولى منع الفساد على ان تمنح تلك الهيئات الاستقلالية لتمكينها من تنفيذ مهامها بمنأى عن اي تأثير لا مسوغ له اضافة الى توفير الموارد المالية والموظفين المتخصصين وتدريبهم. وتؤكد الاتفاقية على وجوب التزام الدول باعتماد تدابير تشريعية وادارية مناسبة لو?ع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية والتنافس عليها في الانتخابات وتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وتمويل الاحزاب السياسية اضافة الى ترسيخ وتدعيم نظم تعزيز الشفافية ومنع تضارب المصالح.
وتلزم الاتفاقية الدول المنظمة إليها بإرساء تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بالافصاح للسلطات عن مالهم من انشطة خارجية واستثمارات وموجودات قد تفضي الى تضارب المصالح. اضافة الى ارساء اسس تيسر قيام الموظفين بابلاغ السلطات المعنية عن افعال الفساد عندما ينتبهون لها خلال ممارستهم لوظائفهم وتلزم الاتفاقية الدول باتخاذ الخطوات اللازمة لوضع نظام مشتريات يقوم على الشفافية والتنافس وضمن هذا الاطار تلزم الدولة بنشر المعلومات الخاصة بالمشاركة في المفاوضات وشروطها واقامة نظام فعال للمراجعة الداخلية مع وجوب تمكين عامة?الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم الادارات العمومية وتشغيلها واتخاذ القرارات فيها مع ضرورة نشر معلومات دورية عن مخاطر الفساد في اداراتها.
وتؤكد الاتفاقية على اهمية استقلالية القضاء ودوره الحاسم في مكافحة الفساد بين اعضاء الجهاز القضائي بما في ذلك وضع قواعد سلوك لاعضاء الجهاز القضائي وان يتمتع جهاز الادعاء العام باستقلالية لا تقل عن الجهاز القضائي.
وتتضمن الاتفاقية التدابير التي تمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد وتعزيز معايير المراجعة لحساباته وفرض عقوبات مدنية او ادارية او جنائية تكون مناسبة ورادعة عند عدم الامتثال لهذه المعايير.
وتلزم الاتفاقية وجوب تشجيع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته من خلال تعزيز الشفافية وحصول الناس على المعلومات واستخدام الاعلام في برامج التوعية.
والزمت الاتفاقية الدول بوجوب انشاء نظام شامل للاشراف والمراقبة على المصارف والمؤسسات المالية والشخصيات الطبيعية او الاعتيادية من اجل ردع وكشف جميع اشكال غسيل الاموال.
ومن بين الفصول المهمة في هذه الاتفاقية فصلها الثالث الذي تناول التجريم وانفاذ القانون و تقاضي الرشوة من قبل الموظفين العموميين الوطنيين والموظفين العموميين الاجانب وموظفي المؤسسات الدولية واختلاس الممتلكات او تبديدها او تسريبها من قبل موظف عمومي اضافة الى المتاجرة بالنفوذ من خلال وعد الاخرين بمزايا او التماس وقبول مزايا غير مستحقة والاثراء غير المشروع والرشوة في القطاع الخاص واختلاس الممتلكات في القطاع الخاص وغسل العائدات الاجرامية والاخفاء واعاقة سير العدالة ومسؤولية الشخصيات الاعتيادية والمشاركة والشروع ?ي فعل اجرامي وتتناول الاتفاقية تحت كل عنوان مما ذكر آنفا شرحه وبيان حدوده ودور الدولة في التعامل معه. ومن بين المواد المهمة ضمن هذه الاتفاقية المادة (30) التي تناولت الملاحقة والمقاضاة والجزاءات والتي نصت على ان كل دولة طرف في ارتكاب فعل مجرم وفقا لهذه الاتفاقية خاضعة لعقوبات تراعي جسامة ذلك الجرم. كما نصت المادة (31) على التجميد والحجز والمصادرة للتمكين من مصادرة العائدات الاجرامية المتأتية من افعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية وكذلك مصادرة الممتلكات او المعدات.
وتتضمن الاتفاقية وجوب حماية الشهود والخبراء والضحايا وحماية المبلغين وتجيز الاتفاقية المطالبة بالتعويض عن الضرر نتيجة فعل الفساد.
ومن بين النصوص المهمة في هذه الاتفاقية نص المادة (42) التي تحدثت عن الولاية القضائية بحيث الزمت كل دولة طرف باعتماد ما يلزم من تدابير لكي تخضع لولايتها القضائية ما جرمته من افعال وفقا لهذه الاتفاقية عندما يرتكب الجرم في اقليم تلك الدولة الطرق او سفينة او طائرة ترفع علم تلك الدولة ونصت المادة (44) الخاصة بتسليم المجرمين على تسليم المجرم الموجود في اقليم تلك الدولة الطرف التي تتلقى الطلب على ان يكون الجرم خاضعا للعقاب بموجب القانون الداخلي للدولتين كما جوزت للدولة تسليم المجرم حتى في حالة عدم اعتبار فعله جري?ة وفقا لقانونها.
وتضمنت الاتفاقية تنظيم عملية نقل الاشخاص المحكوم عليهم والمساعدة القانونية المتبادلة بين الدول بشكل تفصيلي اضافة الى نقل الاجراءات الجنائية والتعاون في مجال انفاذ القانون والتحقيقات المشتركة واساليب التحري الخاصة.
ومن بين الفصول المهمة في هذه الاتفاقية الفصل الخامس الخاص باسترداد الموجودات حيث نصت المادة (51) منه على استرداد الموجودات بمقتضى هذا الفصل، وهو مبدأ اساسي في هذه الاتفاقية وعلى الدول الاطراف ان تمد بعضها البعض باكبر قدر من العون والمساعدة، في هذا المجال وتناولت مواد هذا الفصل منع وكشف احالة العائدات المتأتية من الجريمة وتدابير الاسترداد المباشر للممتلكات وآليات استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي في مجال المصادرة ومن بين القضايا الاخرى التي تناولتها الاتفاقية التعاون الخاص وارجاع الموجودات والتصرف مع?ا ووحدة المعلومات الاستخبارية المالية والاتفاقات والترتيبات الثنائية والمتعددة الاطراف والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات والتدريب وجمع المعلومات المتعلقة بالفساد وتناولها وتحليلها وتنفيذ الاتفاقية من خلال التنمية الاقتصادية والمساعدة التقنية. وتناول الفصل السابع آليات التنفيذ من خلال انشاء مؤتمر للدول الاطراف في هذه الاتفاقية وتأسيس امانة للدول الاعضاء في هذه الاتفاقية من قبل الامين العام للامم المتحدة تتولى مساعدة الدول الاطراف في انجاز المهام المطلوبة واخيرا تضمن الفصل الثامن والاخير من الاتفاقية تسوية ?لنزاعات والانضمام والتعديل والانسحاب.
وفي الختام من المفيد ان نستعرض التشريعات العراقية النافذة الخاصة بمكافحة الفساد :
- كان اول قانون صدر في العراق الحديث لمكافحة الفساد هو (قانون الكسب غير المشروع) الذي صدر بعد شهر واحد من ثورة تموز 1958 برقم (15) وبتاريخ 16/آب/1958 مما يؤكد حرص الثورة في حينه على اجتثاث الفساد والمفسدين.
- قانون العقوبات رقم (11) في 1969 (المعدل) وهو القانون العقابي الرئيس في العراق ويتضمن نصوص قانونية تتولى التعامل مع جميع حالات الفساد الاداري والمالي وبجميع اشكاله.
- امر سلطة الائتلاف رقم (57) في 2004 (المفتشون العموميون العراقيون).
- الامر رقم (93) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة (قانون مكافحة غسيل الاموال) لسنة 2004.
- قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011.
- قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة 2011
وهناك تساؤل يطرح نفسه هل ان سبب تفشي الفساد في الدولة العراقية بهذه المستويات غير المسبوقة سببه نقص في التشريعات التي تتصدى للفساد. الجواب كلا وبصوت عال حيث ان النقص هو في الارادة التي يجب ان تتوفر لدى المسؤولين والقائمين على مكافحة الفساد وعلى رأسها السلطة القضائية التي تتحمل المسؤولية في محاسبة سارقي قوت الشعب والمال العام مما يؤكد مطالب الجماهير بضرورة اصلاح المؤسسة القضائية.