المنبرالحر

رغم ملوحتنا.. نستورد الملح / عبد السادة البصري

للملح في حياتنا طعم خاص وحكايات لن تُنسى أبدا. فمنذ طفولتي أعيش حكاياته ومفارقاتها لحظة بلحظة، حيث كنت أذهب مع أمي وجدتي الى منطقة ( السبخ) التي يكثر فيها الملح صيفاً بعد تبخر الماء الذي يغمرها، لنقوم بجمعه أكواما كي ينشف ثم نحمله لبيوتنا وننشره على السطوح ليجف تماماً.
وقد ذكر ذلك أكثر من كاتب بصري في قصة أو قصيدة ،حيث أصدر القاص مجيد جاسم العلي مجموعته القصصية الأولى في سبعينيات القرن الماضي بعنوان ( فتيات الملح) التي تحكي عن حالات جمع الملح من قبل البصريين وبالأخص أهل الفاو وما يحدث فيها من حكايات جميلة. وخص الشاعر عبدالكريم كاصد النساء اللواتي يجمعن الملح بقصيدة ( نسوة الملح أو جامعات الملح)، ولأننا معجونون به أطلق الاخرون علينا بعض صفاته تحبباً وتفاخراً ( أملح، ابن الملحة، المملوح.. الخ)وترانا نعتز بكل حكاية عن ملحنا هذا، حيث كنا نصدره بعد جمعه وكبسه في أكياس صغيرة. وكانت ( مملحة الفاو) الشركة التي أنشأت في سبعينيات القرن المنصرم من أكبر معامل جمع الملح وتصديره في الشرق الأوسط حيث استقطبت العديد من أبناء الفاو والبصرة ليعملوا فيها دائمين ومؤقتين وفق أحدث آليات صناعة الملح.
ولأننا مملوحون فقد صار حتى ماؤنا مالحاً. ومنذ أكثر من سبع سنوات ونحن نعاني من ارتفاع نسبة الملوحة في مياه شط العرب وماء الإسالة ، ما أثر تأثيراً سلبيا كبيراً على الزراعة والصناعة وكان سببا مباشرا في انتشار الامراض. وصرنا نستغيث كل لحظة لإنقاذنا .
رغم كل هذا الملح الذي وصفنا به لكننا اليوم نستورد ملح الطعام من دول الجوار، فقد توقفت معامل المملحة عن العمل ، ولم تعاود النسوة والصبيان الذهاب الى مناطق السباخ لجمعه وتجفيفه، ما حدا بنا الى الاستيراد من دول الجوار وبالأخص دول الخليج الذي تستخلصه من البحر لتصدره إلينا وكأننا نعيش في كوكب آخر لا بحر فيه ولا سباخ ولا ماءً مالحاً ،بل ينابيع وأنهار ذات مياه عذبة جداً.
ولفرط ملوحتنا وما نعانيه صار كل زائر أجنبي لمدينتنا يصاب بالدهشة والحيرة فيقول:
محافظة تصدر أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً ،تشرب ماءً مالحاً وتستورد ملح طعامها..؟ يا للمصيبة!!