المنبرالحر

شجاعة الامعات المزيفة / مرتضى عبد الحميد

عندما سمعنا لأول مرة هتاف «ما ننطيها»، ظننا أن قائلها يريد التهكم على «صدام حسين» وفي المرة الثانية كان الظن ساذجاً ايضاً، وتصورنا انه يقصد نفسه، والدائرة الضيقة المحيطة به. لكن الأمور بدأت تتضح بمرور الوقت، حيث بدأت مضايقة المتظاهرين، وقطع الشوارع عليهم، واعتقال البعض منهم، وصولاً إلى حفلة التتويج الأخيرة، التي كان فرسانها مجموعة من الإمعات، مدنيين ملثمين وعسكريين، أرادوا اثبات «شجاعتهم» بعيداً عن محاربة «داعش» والعمليات البطولية لقواتنا المسلحة، والحشد الشعبي، وأبناء العشائر. فهاجموا يوم الثلاثاء الماضي تجمعاً مدنياً سلمياً صغيراً، كان متجهاً إلى البرلمان العراقي، لتسليمه بياناً بإسم المتظاهرين في ساحة التحرير، وبقية مدن ومحافظات العراق، يطالبون فيه بتنفيذ الإصلاحات، التي أعلنتها السلطتان التنفيذية والتشريعية، رغم أنها لا تلامس المطالب الحقيقية للجماهير الغفيرة.
ولم يكتفوا بمنعهم من التظاهر وإيصال صوتهم إلى البرلمان، وإنما اعتقلوهم وبينهم نساء، واعتدوا بالضرب على بعضهم، واسمعوهم كلمات نابية، يخجل منها حتى أبناء الشوارع. كما شتموا المرجعية، والعبادي، والمقابر الجماعية ومن يرقد فيها من الشهداء، الأمر الذي يفصح عن هويتهم، ومن يقف وراءهم !
ومن المفارقات، التي تدخل في خانة الكوميديا السوداء، أن احد المعتقلين، كان قد جاء من كربلاء، لمراجعة إحدى الدوائر الحكومية، وصادف مروره بالقرب من المتظاهرين، ولا علاقة له بهم، فأعتقلوه، وأكل المقسوم معهم، ولم تشفع له توضيحاته وتوسلاته، ولا إجاباته على الأسئلة الأمنية التي وجهوها له.
ولكي تكتمل فصول المهزلة، لم يحرك ساكنا إزاء ذلك سوى البعض من اعضاء مجلس النواب، من لجنة الثقافة والاعلام ولجنة حقوق الانسان. اما المجلس ككل ورئاسته، فران عليهم صمت مطبق، ويبدو انهم كانوا مرتاحين لما جرى، ان لم يكونوا او بعضهم في الأقل متواطئين مع منفذيه.
فيما تبرأ مجلس الوزراء من هذا الأسلوب القمعي، وشكل لجنة للتحقيق في ملابساته، لا نشك أن مصيرها سوف لن يكون أفضل من مئات اللجان التي شكلت قبلها.
أية دولة هذه، يجري فيها مثل هذا التعامل مع خيرة مواطنيها، وهم الأشجع، والأوعى والأكثر حرصا على التصدي لمن يريد بنا العودة إلى عصر اللا دولة، ليظل قادرا على السرقة من دون رادع، وعلى إذلال العراقيين دون وازع من ضمير.
أنها في الأساس مهمة رأس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة، ومهمة المرجعية، وكل أبناء العراق الحريصين على إطفاء موقد الحقد والكراهية واللصوصية، الذي يريد أعداء الإصلاح النفخ في ناره، ليتدفأ به كل من درس في مدرسة «صدام حسين» الدكتاتورية، وان كانت دراسته بالمراسلة.
إن هذا التصعيد الخطر، هو وصمة عار في جبين كل من أمر به، وسوف يزيد المتظاهرين والمطالبين بأصلاح العملية السياسية، اصراراً وحماساً وجرأة، لسبب بسيط وواضح، هو أن السيل قد بلغ الزُبى، ولا يمكن إيقافه بعد الآن، حتى وان حلم البعض بأنه قادر على ترديد شعاره الأثير «ما ننطيها»!