المنبرالحر

سندوتشات سريعة في قطار التواصل الاجتماعي. الحلقة (7) / طلعت الصفدي

في بلادنا فلسطين، يتعرض صانعو الحياة والمستقبل، مشعلو الثورات، والانتفاضات والهبات الشعبية، والقوة الدافعة الداخلية لها، المتمسكون بأرض الآباء والأجداد، المدافعون عن أهداف شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، للإهمال المعيشي والصحي والتعليمي والقيمي، وتهرب المسئولين والمتنفذين من حل مشاكلهم الحياتية والمعيشية، وبتدني مستوى اهتمامهم بقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية سواء من القيادة الرسمية، أو من القوى الوطنية والحركات الإسلامية، خصوصا في قطاع غزة، نتيجة لتراجع قائدة نضاله منظمة التحرير الفلسطينية، وغياب دور السلطة الوطنية الفلسطينية، واستمرار الحصار الإسرائيلي، والانقسام بين شطري الوطن، أدى هذا الإهمال والتطنيش إلى تصاعد جيش العاطلين عن العمل من الشغيلة والعمال والمزارعين وخريجي الجامعات، والشرائح الاجتماعية الأخرى... الخ واستفحال معدل الفقر والمرض والعجز، وانتشار أمراض خطيرة كالسرطان، والجلطات الدماغية، والفشل الكلوي... وانهيار الاقتصاد الفلسطيني إلى مستوى خطير جدا... فعجلة الحياة قد توقفت، وتدهورت العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، والقيم الاجتماعية النبيلة، وفقدت الجماهير الكادحة، خصوصا عنصر الشباب الثقة بالمستقبل، وبالقيادة وبالقوى السياسية، فالشباب ليسوا بحاجة إلى الوعظ بل إلى ممارسات عملية على الأرض تنشلهم من حالة الضياع والقلق، وفقدان روح الأمل في الحياة والكرامة، والعمل، خصوصا بعد غياب إستراتيجية وطنية اجتماعية اقتصادية، لاستيعاب الآلاف من خريجي الجامعات كل عام الذين تحولوا وكأنهم عالة على المجتمع ،فالكثيرون منهم يبحثون في وسط الزحام عن عمل لا يتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية، سائقين على سيارات انتهت صلاحيتها، والى امتطاء عربات التكتك والكارات بالحمير مقطوعة الوصف والخيال في الأسواق الداخلية... الخ. .
تعطل عمل النجارين بسبب حظر الاحتلال الإسرائيلي إدخال الأخشاب، وشل عمل الحدادين، وتوقفت ورشهم في غياب الحديد والمسامير والصفيح، والبنائين والطوبرجيه لغياب الاسمنت ومواد البناء، والخياطين تعرضت ماكيناتهم للصدأ من قلة حركتها، وفقد العمال أماكن عملهم الأسود داخل الكيان الإسرائيلي، وضاعت وسائل العمل، وأغلقت مواضيع العمل، وفي زحمة زيادة جيش العاطلين عن العمل، تتعرض المرأة الفلسطينية ليلا ونهارا في البيت والعمل للاضطهاد، وبسبب افتقادها للضمان الاجتماعي بعد استشهاد وفقدان معيلها، تضطر للعمل بأي ثمن لتعيل أسرتها وترعى أبنائها.
وبسبب غياب دور حكومة التوافق الوطني - الحكومة الشرعية، وضعف إرادتها وترددها، وتراجع تأثير القوى السياسية الأخرى في الشارع، وتعثر كل محاولاتها في تجميع وتحريك الجماهير، ومكونات المجتمع المدني بما فيهم المثقفين للضغط على طرفي الصراع الداخلي من أجل إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية، وبسبب إصرار حركة حماس على السلطة والحكم، وأخذ أهالي قطاع غزة رهينة، لفرض رؤى ( الأخوان المسلمون) بالقوة على المجتمع على طريق أسلمته بدعم وإسناد بعض الدول العربية والإقليمية والدولية التي شرعنت الانقسام، بما فيها دولة الاحتلال بانسحابها الأحادي الجانب، لتكريس الصراع الداخلي بين منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية، وحركة حماس الأصولية الإسلامية، برغم تصاعد نقمة الشارع ومعارضة من القوى اليسارية ومكونات المجتمع المدني. إن مجتمعنا الفلسطيني ليس أصوليا ولا متاسلما ولا طائفيا ،وعلى الرغم من عشرات اللقاءات والجلسات والحوارات المتعددة والتفاهمات في الداخل والخارج بين كافة القوى الوطنية والإسلامية، للخروج من الأزمة الحقيقية التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني وقضيته الوطنية، وآخرها اتفاق الشاطئ في شهر ابريل عام 2015، إلا أنها باءت بالفشل، وبدلا من اتخاذ خطوات من أجل توحيد الموقف الفلسطيني، وتعزيز الجبهة الداخلية ورص الصفوف، وإنهاء حالة الانقسام والتشرذم لمواجهة المخطط الإسرائيلي، وإرهاب الاحتلال ومستوطنيه، بخطة سياسية وكفاحية موحدة، فقد تفردت حركة حماس كسلطة غير شرعية في غزة، وباشرت بخطوات أحادية منافية للقانون، كضريبة التكافل الاجتماعي، والإعلان أخيرا عن نيتها توزيع الأراضي الحكومية على عناصرها تحت ذريعة تراكم ديونهم عليها، وعجزها عن حل قضية رواتب موظفيها في قطاع غزة، وكقابضة ومسيطرة على مقدرات القطاع، برغم (سلطتها غير الشرعية)، تتصرف بالأرض كما تشاء وتهبها لعناصرها، وتقايض الأرض برواتبهم المتراكمة، في حين أنها المسئولة أولا عن الانقسام، وثانيا عن حل مشاكل عناصرها، وثالثا عن تعطيل عمل حكومة التوافق الوطني.. إن هذا التصرف غير شرعي وغير قانوني، وهو اعتداء صارخ على أملاك الشعب الفلسطيني، يفتقد لسند قانوني وأخلاقي وديني، ويعكس تصرفها غير المسئول وغير المسبوق في التاريخ الفلسطيني، عن تأزم الأوضاع الداخلية، وضربا لوحدة الشعب الفلسطيني، وانتهاكا للمصلحة العليا للوطن، ويخلق في المستقبل صراعا داخليا، وتوترا في النسيج الاجتماعي ،ولا يحق لأي حركة أو فصيل التصرف بالأرض كأنها ملكية خاصة، فهل حركة حماس كجزء من الشعب الفلسطيني، برغم تضحياتها الكبيرة هي حركة تحرر وطني أم ميلشيات مسلحة؟؟.
في البيان الشيوعي الأول عام 1848 الذي يعتبر إنجيل الفقراء والشغيلة لقائدي الطبقة العاملة الشيوعيين كارل ماركس وفريدريك أنجلس، يؤكدان فيه أن تاريخ كل مجتمع هو تاريخ نضال بين الطبقات، بين الظالمين والمظلومين، بين المضطهَدين والمضطهِدين... فهل يمكن توحيد كل جهود وطاقات المجتمع الفلسطيني، المظلومين والمضطهَدين لمواجهة الاحتلال، والظلم والانقسام تحت شعار " اتحدوا يا مستضعفي شعبنا الفلسطيني ".