المنبرالحر

الإصلاحات بين مجلس النواب والسلطة التنفيذية / لفته عبد النبي الخزرجي

أفرزت التظاهرات التي يقودها الحراك المدني، وضعا جديدا معياره مدى قدرة السلطات الثلاث على تقديم أداء متميز في مجال تقديم الخدمات للمواطنين كل حسب اختصاصه، وقد شكلت الاحتجاجات عامل ضغط على تحسين الأداء الخدمي او التشريعي او القضائي، لكن أنياب الفاسدين الكبار مازالت قوية ولها إمكانات تطول التشريع والقضاء والتنفيذ، وتفرض إراداتها المعاكسة للإصلاحات .
القرار الأخير لمجلس النواب، الذي أصدره لإحباط المشروع الإصلاحي الذي يحاول العبادي أن يسير فيه مدفوعا بعامل الضغط الجماهيري، كان الهدف منه هو إجهاض الإصلاح ووضع العصي في طريق رئيس مجلس الوزراء، وتقنين المشروع الإصلاحي بحيث لا يطول رؤوس الفساد ولا يخدش جيوبها المحشوة بالسحت الحرام .
الدستور الذي يحتج به البرلمانيون، كلمة حق أريد بها باطل، لأن الدستور كان وما زال مغيبا في عمل مجلس النواب وفي عمل السلطة التنفيذية، المحاصصة، وقانون الانتخابات، وتشكيل الحكومة، والتوازن الوظيفي، والتوافق السياسي وغبرها .. هذه كلها مسميات ليس لها ما يبرر العمل بها لأنها مخالفة دستورية، لكن السادة النواب ورؤساء الكتل السياسية، لم يكلفوا أنفسهم نطق كلمة واحدة تشير إلى وجود مخالفات دستورية في تلك المشاريع التي ألحقت بالبلاد كثيرا من الضيم والظلم والتردي .
ملفات الفساد المكدسة لعشرات المسئولين الذين تبوءوا مناصب إدارية متقدمة، وأهدروا مليارات الدولارات، وضاعت الموازنات المالية لعشر سنوات 0 وفي خطبة الجمعة 30/10/2015 أشارت المرجعية الدينية الموقرة، إلى غرق المدن العراقية للسنة الثانية على التوالي، من دون أن يكون هناك أي دور للسلطة التنفيذية في الاستفادة من أخطاء الماضي، وذكرت المرجعية بالأموال الكبيرة التي رصدت للخدمات خلال عشر سنوات ماضية، أين اختفت تلك الأموال؟ وطالبت المرجعية بكلمات واضحة جدا.. بمحاسبة الرؤوس الكبيرة التي أهدرت المليارات في مشاريع وه?ية، واسترجاع الأموال التي نهبت، لان البلاد تعيش ظرفا استثنائيا في الجانب الاقتصادي.
إن مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية في البلاد، وأيضا السلطة التي تمثل الشعب، إلا ان الملاحظ ان مجلس النواب قد تحول من وظيفته التشريعية والرقابية والدفاع عن حقوق الهيئة العامة « الشعب « إلى من يصطف مع أركان الفساد وحمل رسالتهم في مواجهة الشعب .
إن الاحتجاجات التي مضى على انطلاقها قرابة أربعة أشهر، كانت وما زالت تؤكد من خلال شعاراتها واللافتات التي ترفع في التظاهرات ووقفات الاحتجاج والاعتصامات، قد أوضحت بما لا يقبل الشك، أنها تواصل إصرارها وحراكها السلمي وتظاهراتها، وتأكيدها على أهمية الإصلاحات وضرورتها لتجاوز مرحلة الإخفاقات والتردي والفساد الذي استشرى وأصبح إخطبوطا رهيبا له مافياته وجلاوزته الذين يتحركون تحت حماية ورعاية الحيتان الكبيرة، وبات واضحا تماما ان رؤوس الفساد لا تريد ان تتخلى عن مواقعها ، وتحاول بإصرار وعناد ان تتحدى قرارات الإ?لاح وتقدم الشكاوى إلى القضاء ، وتتمسك بمواقفها في محاولة يائسة للعودة إلى ممارسة دورها التخريبي، الذي كلف البلاد مزيدا من الدماء والتخلف والتراجع وهدر المال العام .
بعد هذه الأشهر من الاحتجاجات والحراك المدني والتظاهر السلمي والحضاري، يعود مجلس النواب، في حركة التفاف مغلفة بالدستور الى الوراء، لان الدستور يعمل وفقا لاجتهادات السادة النواب، ويسير مع إراداتهم التي دائما ما تكون متعارضة مع طموح المواطن، ومخالفة للدستور، حيث يصوت السادة النواب على قرار يعتبر عملية الإصلاحات غير دستورية ويسحب تفويضه لرئيس الوزراء، بعد ان مضى ثلاثة أشهر على حزم الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة، تحت ضغط الشارع العراقي والحراك المدني والاحتجاجات والتظاهرات ونداءات المرجعية المتوالية في خطب?الجمعة و التي شكلت عامل دفع لحكومة العبادي للبدء بتحريك عجلة الإصلاحات، رغم ان هذه الإصلاحات لم تمس جوهر عملية الإصلاح المطلوبة، وقد أشارت المرجعية الموقرة لهذا الأمر في مناسبات عديدة.