المنبرالحر

اصدار قوانين طبقية جائرة .. على خطى الدكتاتورية / علي عرمش شوكت

تميز البرلمان العراقي وعلى مدى دوراته السابقة والحالية بالتحيّز الطائفي والطبقي، مخالفاً بذلك مهمته التشريعية ذات المضمون الوطني العام، كونه ممثلاً للشعب. وذلك ما اسس عليه، بيد ان الفوضى التي حلت بالبلاد غداة الاحتلال وما اعقبه، وما خلفه من استشراء الفساد الذي طال القوانين، وغيّب القضاء، هذا وناهيك عن نهب المال العام. مما ادى الى هيمنة سماسرة السياسة من اصحاب النفوذ والمال المهوب، فولدت تركيبة طبقية جديدة في المجتمع العراقي، اقامت لها سلطة محسوبة الموازين بين الكتل النافذة على قاعدة المحاصصة سيئة الصيت الغادرة للبلاد والعباد، والتي لم تبق لما سمي بالعملية السياسية سوى اسم على غير مسمى .
امست حياة العراقيين عائمة على سطح الوجود، غابت الدولة وغابت معها كافة الحقوق حتى وان كان منصوصا عليها بالدستور والمواثيق الدولية، لكون السلطات الثلاث قد تماهت مع بعضها وغدت حصصا بين من بأيديهم سلطة الحكم، واذا ما كان ثمة دكتاتور في تاريخ الحكم العراقي، بات اليوم خليطاً دكتاتورياً غير متجانس، من حيث المشارب الفكرية والسياسية الا انهم يتعاضدون حول هم مشترك الا وهو الاستحواذ على المال العام ومواقع نفوذ السلطة. اجمالاً ان ذلك لا يوصف الا كونه ترابط مصالح طبقية متوحشة، تجلت في العديد من مفاصل الحكم، يأتي في اولها سن القوانين الطبقية الجائرة التي ترسّخ هيمنتهم كطبقة مستغلة مستحوذة على مفاصل الحياة العامة للناس.
عندما صاغت الطبقة البرجوازية الناشئة دستوراً للبلاد، امعنت في معاداة الكادحين من الشغيلة والعمال والفلاحين، واستبعدتهم عن اي وجود في السلطة التشريعية، وذلك في انعدام اية "كوتة" لممثلي العمال والفلاحين والفقراء الآخرين، وكشفوا عن ذلك من خلال تحديد المستوى الدراسي لمن يرشح للبرلمان، وهم يدركون ان الاغلبية من الشباب الذين حالت جولات حروب النظام السابق دون مواصلتهم للدراسة، وكتحصيل حاصل قد اصبحوا عمالاً وفلاحين وكسبة. فمن اين جاءت الطبقة السياسية الحاكمة بهذا الحق في ابعاد الاغلبية الساحقة من العراقيين سواء كانوا من ضحايا الحروب او من غيرهم الكادحين عن المشاركة في المؤسسات الدستورية بغية تشريع قوانين تحسن احوالهم المزرية ؟. وهنا توجب الاشارة الى ان الكتل المتنفذة قد زودت او سمحت لاتباعها بالحصول على شهادات مزورة !!، حيث كانت حتى لدى بعض وزرائهم، الذين احيطوا بحصانة منعاً من ان يطالهم العقاب القانوني.
ولعلنا فيما سنذكره يلقي ضوءً ساطعاً على هذا الامر. ففي المخاض العسير الذي ولّد "قانون الاحزاب" قد ترك تشويهات في هذا المولود – قانون الاحزاب- حيث اشترط ان يكون أعضاء الهيئات المؤسسة للأحزاب من حاملي الشهادات العليا. انها خطوة استباقية مقصودة لإبعاد الكادحين العراقيين عن ان يكونوا من المؤسسين لأحزابهم، علماً ان العديد من السياسيين الذين خاضوا النضال بأصعب حلقاته هم من الكادحين وكانوا على رأس الحركات والاحزاب السياسية طيلة القرن الماضي ولا زالوا، وهذا الامر ربما يشمل ليس حزب الطبقة العاملة الحزب الشيوعي العراقي { عميد الاحزاب السياسية العراقية} الذي اسسه العامل الشهيد " يوسف سلمان يوسف – فهد- " فحسب انما بعض الاحزاب الاخرى ايضاً.
ونخلص الى القول بان ما تقوم به الاحزاب الحاكمة من كوارث سياسية بقادتها الذين يحملون الشهادات الدراسية "العليا" والتي نصفها اما مزور او باختصاصات غير علمية او انسانية غير نافعة لحياة الناس في عصرنا هذا، يؤشر وعلى نحو عملي بان قيادات الاحزاب المناضلة الباسلة التي اكتسبت شهاداتها وعلومها السياسية من خلال الصراع العنيد في ساحات النضال ضد الانظمة الدكتاتورية ، كانت هي الاجدر في مصداقيتها و وطنيتها وحرصها على مصالح الشعب والوطن والتاريخ خير شاهد على ذلك.