قبل ايام راجعت دائرة الاحوال المدنية في الرصافة ببغداد، وقد توجست قلقاً قبل ان ادخل إلى هذه الدائرة والتي سبق ان راجعتها قبل اكثر من خمس سنوات مضت، وتعرضت يومها للروتين القاتل والبيروقراطية العالية وللابتزاز من الوسطاء والعاملين فيها، بحجة صعوبة معاملتي وعدم اكتمال اوراقي الرسمية، الامر الذي يتطلب معارف وجهودا ورشوة. لكني دخلت اليوم، وقبل دخولي سألت كاتب العرائض عن المطلوب لاستبدال هويتي «بدل تالف»، فقال اجلب الهوية التالفة ونسخة مصورة لشهادة الجنسية، ومثلها لبطاقة السكن، مع صورتين شخصية لصاحب العلاقة، وا?تمارة توزع بمبلغ 250 دينار فقط. جلبت ما طلبه مني كاتب العرائض (الارضحلجي) - كما نسميه نحن كبار السن - فملأ لي الاستمارة ورتب الأوراق المطلوبة معها، ثم قال لي: «اختمها من مدير الدائرة المقدم زهير وادفع رسم 1000 دينار واعدها الى الموظفة عند الرقم 15».

تسلسلت مراجعاتي بشكل سهل وطيب، حيث كان المدير متعاوناً، فقد رحب بي وختم ووقع المعاملة، ثم ذهبت الى الصندوق وسلمت المبلغ المطلوب وتسلمت وصلاُ أصوليا بذلك. بعدها ذهبت الى الموظفة عند الرقم 15 أخذت مني المعاملة وقالت: «اعطني بطاقة السكن واذهب انتظر في القاعة»، وبعد دقائق نودي عليّ وتسلمت هوية احوال مدنية جديدة، كل ذلك استغرق مني ثلاثين دقيقة لا غير. هنا وقفت حائراً ومتسائلاً: «هل حقاً ان هذه المعاملة تجرى في دائرة عراقية وبهذه السلاسة والسرعة، وهي عينها دائرة احوال الرصافة التي راجعتها قبل خمسة اعوام؟!». ازدا? فضولي وتحركت رغبتي كصحفي ان افهم الحال جيداً. شاهدت ضابطاً برتبة ملازم شرطة يتمشى لمراقبة الباب الرئيس للدائرة، وسير عملية توزيع الاستمارات، وهو في الوقت نفسه يجيب عن استفسارات المراجعين. سلمت عليه وسألته: «يا حضرة الملازم ماذا تقول بهذا الذي شاهدت اليوم، معاملة اصدار هوية تستغرق نصف ساعة وبلا تعقيد ولا روتين ولا بيروقراطية؟». اجابني: «وهل يوجد تأخير؟ قلت له بالامس كان الامر هكذا تأخير ووساطات وروتين ورشوة». قال: «نعم ما تقوله كان سابقاً، اما اليوم فالتوجيهات واضحة والمراقبة شديدة والمنتسبون يؤدون واجباته? باريحية والاهم اننا جميعاً نعمل من اجل اسعاد وراحة المواطن». شكرت الضابط الشاب ومن خلاله قدمت شكري لكل المنتسبين في احوال الرصافة وتمنيت ان يكون نموذج الرصافة هو نموذج لكل دوائر ومؤسسات الدولة العراقية.