المنبرالحر

الأدباء .... ومحنة الطبع! / عبدالسادة البصري

ما إن بدأت خطواتنا تدب على طريق القراءة والكتابة والأدب حتى أخذنا نجوب المكتبات بحثاً عن ضالتنا. كانت في مدينتي ( الفاو) آنذاك سبع مكتبات أهلية، نزورها يومياَ لنشتري الصحف وما أصدرته المطابع العربية. وفي كل اسبوع نذهب الى العشار لزيارة مكتبة الدار الوطنية قبالة مبنى المحافظة، مجاورة لمحل ( زرزور ابو الحب) ومعرض (باتا).
كانت تطبع العديد من الكتب العالمية والعربية والعراقية وبأسعار رمزية ، حيث قرأنا لكبار الكتاب العالميين والعرب و العراقيين ..وقد صدرت المؤلفات الاولى للعديد من أدباء تلك الفترة وتوزعت في محافظات العراق كافة. ففي كل محافظة مكتبة للدار الوطنية ، امتلأت مكتباتنا الخاصة منها واستمرت لغاية أوائل الثمانينات، ثم أغلقت أبوابها وتحولت الدار الوطنية الى دار الشؤون الثقافية لتبدأ طبع كتب الحرب والتعبئة لها.
تفرق الشمل وضاع الأهل والأصحاب ،وفي أيام التسعينات فكر الادباء بنشر نتاجاتهم بطريقة أدب الاستنساخ وبأعداد محدودة وطباعة رديئة.
بعد 2003 تنفسوا الصعداء وأخذوا يمنون النفس بأحلام شتى لطباعة نتاجاتهم في دور ستمنحهم مردوداً مالياً يسد بعض احتياجاتهم فيما ينتشر مطبوعهم في كل البقاع. لكن أحلامهم اصطدمت بصخرة كبيرة تحطمت عندها كل أمانيهم الا وهي محنة الطبع، صار الاديب يطرق ابوابا شتى دون جواب سوى الطبع على نفقته الخاصة وبمعاناة لا يعلمها إلا من تكبدها. تعقبها رحلة التنضيد والتصميم واختيار الغلاف ثم البحث عن دار نشر مناسبة الثمن ، يتم الاتفاق مع الكاتب على طبع كمية محدودة بقيمة عالية وإعطائه نسخاً قليلة بحجة توزيع النسخ الأخرى على المكتبات. وهنا لا بد أن نقف ونقول: ليست دور النشر كلها بهذا الشكل، هناك من تشارك بمطبوعاتها في معارض الكتاب في بعض العواصم والمدن العربية ما يعطي انتشاراً للكتاب ومؤلفه.
أما دار الشؤون الثقافية فهي الصخرة الأكبر حيث يعاني المبدع ما يعانيه عبر رحلة طويلة تشبه أدوار استحالة دودة القز ، يسلم الكاتب مخطوطته و ينتظر ثماني سنوات حتى يصدر كتابه ،وقد مرت عليه تجارب ورؤى عديدة أصدر على نفقته الخاصة أكثر من كتاب. بعد صدور المطبوع يُعطى عددا من النسخ وبلا مكافأة لتبقى النسخ الأخرى تحت رحمة التراب والغبار والرطوبة في مخازن الدار دون أن ترى النور.
ما الضير اذا قامت دار الشؤون الثقافية بفتح مكتبات لها في المحافظات لنشر مطبوعاتها وبسعر رخيص كي تصل الى أيدي القراء كافة، فإنها ستدر مبالغ لها وتنشر أسماء المبدعين ومؤلفاتهم هنا وهناك؟