المنبرالحر

الجماهير.. غادرت الخوف والتردد / فاضل الشبيب

جاء في الاجتماع الاعتيادي الدوري للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 9 تشرين الأول 2015 ، وفي تعداد المنجزات التي تحققت بفعل الحراك الشعبي كونها ( جعلت من الاجتماع والتظاهر ممارسة اعتيادية وكسرت الخوف والتردد لدى المواطن الاعتيادي وأنعشت المزاج الجماهيري ) ولتوضيح هذه الحقيقة لا بد من معرفة كون المواطن لا يخسر شيئا عند الاحتجاج أو التظاهر أو الانتفاض مع قلة الخدمات وانعدامها والمحاصصة المقيتة التي أدخلت البلاد في نفق مظلم والبطالة التي تركته ضائعا بلا عمل، والفساد الذي أضاع المليارات وأنهك ميزانية البلاد وفتك بالعباد، فإزاء هذا كله لا بد للمواطن أن يكسر الخوف والتردد بل أن ينهيه تماما من قاموس حياته وخصوصا عندما ينشأ هناك وضع تفرزه جملة عوامل وحالات تتعدى حدود التحمل بحيث تتجاوز كل الطاقات والإمكانات المتوفرة لدينا نحن البشر ، وتنضجه جملة اعتبارات ذاتية تتعلق برفع مستوى الوعي للكثير من المواطنين وخصوصا الشباب منهم هذه العوامل والاعتبارات ولدت لدينا شعورا عاما بكوننا شعبا تعب وناضل ضد أعتى وأشرس دكتاتورية عرفها التاريخ ونريد ان نعيش كما تعيش كل شعوب الأرض التي تعبت وناضلت وعاشت بنعيم ورخاء وسعادة ، فالشعوب تنفجر وتثور عندما يصل الألم حد العظم، بل يتجاوزه بحيث لا يمكن تحمله أو استغفاله ، وعندما يصل وعي الناس إلى مرحلة لا يمكن فيها تصور أو تحمل أو قبول وضع كهذا ، فتكون الاحتجاجات والتظاهرات خير معبر عن ( الوجع ) الذي أكل الأجساد وأنهك العباد، وخير معبر أيضا عن زيادة وعي وإدراك الناس بضرورة الإصلاح والتغيير لتجاوز كل هذا .
لقد هجر شعبنا الخوف والتردد منذ زمن بعيد مذ كانت الشركات الاحتكارية تسرق نفطنا وتتركنا نتضور جوعا وألما ً وقهرا ً مذ كان النظام الملكي يحاول ربط بلادنا بمعاهدات وأحلاف جائرة ومذلة لنا حينها كنا ننتفض ونثور بعزيمة وإصرار المناضلين وأعطينا قوافل الشهداء من دون أن يرف لنا جفن أو ترتجف لنا شفاه من خوف أو ضعف وتردد واستمررنا على ذلك وها هي تقاليدنا التي تجذرت في أعماقنا عبر سنوات النضال الطويلة لم نتجاوزها ولم ننسها مهما تبدلت الأماكن وتغيرت الظروف والأزمان فنحن شعب نصبر - نتريث- ننتظر ولكننا لا نسكت أو نستكين للظلم أو القهر مهما بلغت الصعاب وكثرت التضحيات والشواهد كثيرة على ذلك .
وعند قراءة التاريخ القديم والمعاصر لنضال الشعوب ومسيرتها الظافرة من اجل حريتها ونيل حقوقها في العيش اللائق الكريم سنرى بان هذه الشعوب حين تحين ساعتها لا تعرف الخوف والتردد ولا تنام على ضيم أو تستكين لظلم وان ثارت وانتفضت فهي كالطوفان الهادر يجرف كل ما يعترضه من سدود وحواجز ، فمهما بلغت الأنظمة الفاسدة من جبروت وقوة وحصنت نفسها بأسوار وموانع فلن تفلت من قبضة الشعب الغاضب ولن يحول شيء دون أن ينال الفاسدون عقابهم الصارم وسجل الشعوب وسفرها الخالد حافل بالأمثلة الكثيرة والشواهد الحية التي تؤكد هذه الحقيقة الساطعة وان رأيت شعبا من الشعوب هادئا وصابرا على سراقه وممتهني كرامته لفترة معينة فهذا لا يعني انه متردد أو خائف أو عاجز عن المقاومة والتحدي وربما توهم اللصوص والسراق وظنوا بان الجماهير غير واعية وغير مدركة لمصالحها فازدادوا إيغالا في سلب حقوقها وإيذائها، ولكنهم متوهمون وخاسرون حتما لان هذا الهدوء هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ودائما ما يكون هنالك تحت الرماد وميض نار سيضطرم حتما عندما تحين ساعتها ليحرق كل من توهم بضعف الشعوب وراهن على عدم إدراكها وقلة وعيها .
فالشعوب حية ويقظة ومدركة تماما لما يفعله الفاسدون لكنها تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم والخلاص من شرورهم عندما تتأكد وتتيقن تماما من ان لا مناص من محاربتهم والوقوف ضدهم حينها لن تتردد أو تتوانى هذه الجماهير في التضحية والاستبسال دفاعا عن مصالحها وحقوقها المهضومة .
وتاريخ شعبنا عبر مسيرته الطويلة حافل بالشواهد الكثيرة، وها هو اليوم وبعد احتلال داعش لأجزاء عزيزة من وطننا الغالي وتفشي الفساد والبطالة والمحاصصة الطائفية الاثنية التي هي أس البلاء في المشاكل التي نواجهها اليوم ، وانعدام الخدمات وغياب الإصلاح ، ها هو ينهض كما عرفناه وخبرناه على مر السنين مدافعا أمينا عن الأرض والعرض ومطالبا بإلغاء المحاصصة المقيتة والإصلاح الحقيقي وتوفير الخدمات ومحاكمة الفاسدين وسراق المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة فقد نزل إلى الشارع وفي كافة المحافظات بمئات الألوف في تظاهرات عارمة معبرين عن مصالح الملايين غير خائفين ولا وجلين ليصنعوا ملحمة الإجماع العلني الشرعي وليهزوا أركان الفساد والمحاصصة والركود السياسي. وثمة حقيقة أخرى في غاية الأهمية جرت الإشارة إليها في النقطة ذاتها من البلاغ الصادر عن الاجتماع المذكور وهي (وأنعشت المزاج الجماهيري) وتأكيدا على هذه الحقيقة نقول بان نشاط الجماهير وتفعيل حركتها بالتظاهر والاحتجاج تزيد من حماس الشعب وترفع معنوياته وتفتح أمامه آفاقاً واسعة ورحبة في تعزيز الأمل والتفاؤل بإمكانية الوصول إلى عوالم وأجواء هادئة ومريحة ترفع الحيف عنه وتجعله ينعم بحياة حرة كريمة وبذلك يتخلص من دائرة الاعتكاف والانطواء والقلق وفقدان الأمل وتصبح جميع النشاطات التي كانت تشكل أمامه عوامل تهديد وخطر وإرباك تصبح ممارسات اعتيادية يؤديها برغبة صادقة ومخلصة وبروح مطمئنة ومتطلعة إلى الغد المشرق السعيد من دون خوف أو تردد ومضايقات، فيتولد لدى الجماهير إحساسا وقناعة أكيدة بأنه ليس هنالك من ضريبة على القول الصادق الجريء ، ولا على الفعل الجماهيري المنظم الكبير فتفيض القلوب فرحا وسرورا، وينتعش المزاج الجماهيري كي يتخلص من عقد التأزم والانزواء والتشاؤم وينفتح أمام الجماهير مستقبل زاهر مشرق ومنافذ جديدة من الحيوية والنشاط وحب الوطن وبنائه والإخلاص له فيسود الوئام الاجتماعي وتتعزز الوحدة الوطنية وتتلاشى الهويات الفرعية وجميع الولاءات الضيقة وبهذا نحصل على إنسان نزيه وعادل عينيه مفتوحتين على وطنه لا على أمواله وقلبه مفعم بحب وطنه لا بحب أمواله، فنتخلص من اللصوص والسراق الذين عكروا مزاجنا وأحاطونا بهالة ضيقة من القنوط والإحباط .
وكل هذه المتغيرات تحد من حيرة المواطن وتجعله قادرا على التفكير السليم واتخاذ القرار الحاسم وتشعره بالراحة والاطمئنان وبأنه العامل الذاتي المعول عليه في إحداث الإصلاح والتغيير المطلوب إضافة إلى العوامل الموضوعية الأخرى التي تكون خارجة عن إرادته، وهذا بحد ذاته تطور كبير في المسار الديمقراطي الذي تحتاجه البلاد والذي صنعه الحراك الشعبي ، فبلد مثل العراق خضع للحكم الدكتاتوري لفترات طويلة تصبح فيه حركة الاحتجاج والتظاهر تمارس بشكل اعتيادي هذا تطور خطر يدلل ويؤكد بان الحراك احد القوانين المهمة والمعول عليها في إحداث التغيير المطلوب ، ووجودها يتناغم تماما ودائما مع كل ما هو قائم على وجه الأرض ويتمتع بالحيوية والديمومة، والخير كل الخير في هذه الحركة وبقاؤها متناغم مع الأشياء يعني أنها بخير وسلام وتدب فيها الحياة والنشاط وهو دليل صحة وعافية ، لذلك قيل ( البركة بالحركة ) ، فالحراك صفة ملازمة لتطور المجتمعات وتصحيح مساراتها وفق الإطار السليم بما يتناسب وحاجة هذه المجتمعات للازدهار والرقي والتقدم وبقدر ما تكون الاستجابة سريعة وكبيرة لهذا الحراك بقدر ما يكون التطور سريعا وكبيرا لهذه المجتمعات والعكس صحيح تماما ، فسرعة الاستجابة وشمولها كل فئات المجتمع ومن دون تردد هي التي تحسم الصراع لصالح الإرادة الشعبية وتجعل الحراك احد القوانين المهمة في التغيير، ومن دون ذلك يعني تعطيل حاجة الجماهير إلى الإصلاح والتغيير أو على الأقل تأخيرها وإبعادها والبقاء على حالة الركود والمعاناة لآماد غير معلومة لان غياب العنصر الفاعل والمؤثر في الحراك وهو ( الإنسان ) هو المعطل والمعرقل الأكبر للحسم السريع والانتقال إلى أجواء الأمان والاستقرار والتطور، وهذا يجعل الكفة لا تميل لصالح راغبي الإصلاح إنما لصالح معرقلي الإصلاح ، فالحقوق تؤخذ بالمشاركة والإصرار ولا تعطى وتقدم على أطباق من ذهب ونحن جالسون وقد قال الشاعر :
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ولهذه الأهمية الكبيرة للحراك الشعبي وكونه أجج الحماس وأنعش المزاج الجماهيري وأسهم بشكل رائع في شحذ الوجدان والضمير الإنساني وتشذيب النفس الإنسانية وولوجها في رحاب المحبة والوئام والتآخي ليغدو الوطن هو الهوية التي ينطلق منها الجميع ويلتقي عندها الجميع .
لذلك نورد بعضا مما أفرزته التظاهرات الشعبية من حقائق أساسية :
- فشل المحاصصة الطائفية - الاثنية والتي هي أس البلاء ومصدر المشاكل والأزمات .
- محاكمة الفاسدين وسراق المال العام واسترجاع الأموال منهم .
- ضرورة الإصلاح والتنسيق بين كل القوى الراغبة فيه والمؤيدة له لمواجهة أعدائه ومعرقليه .
- ان شعب العراق وبكل فئاته وبروح وطنية عالية قادر على تحمل المسؤولية والنضال من اجل الإصلاح والتغيير عبر التمسك بسلمية التظاهرات واحترام القانون والدستور وحماية الممتلكات العامة والخاصة ونبذ الشعارات المتطرفة .
- الدور الكبير للمرجعية الدينية العليا في دعم وإسناد الحراك الجماهيري في مطالبته بالإصلاح والتغيير .
- إن هنالك تنسيقيات وقيادات شعبية تنظم هذا الحراك الجماهيري وهذا واضح في توقيت التظاهرات وتوحيد شعاراتها في بغداد وعموم المحافظات .
- ضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تعزز روح المواطنة وتؤكد على الهوية الوطنية .
- إن الشعوب حية لا تضعف أو تلين ولا تستكين لضيم أو ظلم ولا تسكت على سرقات الفاسدين وتخرصات الخائبين .
- تعميق التلاحم بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الانتماءات السياسية والقومية والطائفية .
- التأكيد على الدور الفاعل والمؤثر للشباب باعتبارهم قوة كبيرة وطاقة خلاقة لا يمكن الاستغناء عنها وهي المعول عليها في إنهاض العراق وجعله أفضل مما كان
- مشاركة كل فئات الشعب من عمال وفلاحين وكسبة وطلبة ومثقفين وعموم الفئات التي تشعر بالمسؤولية وتتحسس هموم الوطن وتتقبل مهمات النضال من اجل الإصلاح والتغيير .
- مشاركة المرأة في التظاهرات دليل نضجها وزيادة وعيها وكونها تشعر بمسؤولية المشاركة الفاعلة مع الرجل وأهمية الوقوف إلى جانبه في المهمات الوطنية والسياسية والاجتماعية .
- التركيز على حيتان الفساد والرؤوس الكبيرة التي ابتلعت أموال الشعب وتركته يتضور جوعا وألما وعندها سيتهاوى الصغار حتما كالجرذان المذعورة تحت الضربات الموجعة لفرسان الحق والعدالة .
- شعور الجماهير بأنها خرجت تحمل محنة شعب وهموم وطن أكله الفساد ونخرت فيه المشاكل والأزمات وغابت عنه الحكمة والتدبير فأثقل بما لا يستطيع تحمله من تعب وعناء فأصبح من واجب الجميع إيقاف كل هذه التداعيات والمعرقلات ليكون وطننا سليما معافى ينعم بالرخاء ويرفل بالسعادة والأمان .
- تفعيل قانون ( من أين لك هذا ) وتطبيقه على الجميع لمعرفة كيف أصبح من لا يملك شيئا من أصحاب الاستثمارات والشركات والمصارف والعقارات الكبيرة والأموال الطائلة .
- تنامي العلاقات الطيبة والحميمة بين أبناء الحراك الجماهيري وأبناء جيشنا الباسل وشعور الجميع بأنهم أبناء بررة لهذا الوطن .