المنبرالحر

اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة / د. سلام يوسف

منذ عام 1992 أقرت منظمة الأمم المتحدة يوماً عالمياً لذوي الاحتياجات الخاصة والذين بمجموعهم يشكلون رقماً لا يُستهان به في الإحصاء العام لكل بلد، إضافة الى أنهم يشكلون موقعاً مهماً جداً على الخارطة الإنسانية بكل انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية.
«وذوو الاحتياجات الخاصة»، تعبير أرقى إنسانيةً من كلمة «معاق»، وقد أتفق عليه المختصون، حيث وجدوا أن تأهيل أفراد هذه الشريحة وإعادة برمجة حياتهم ودمجهم في المجتمع إنما تأتي عبر وحدة متكاملة من الإجراءات العلاجية الطبية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية، فراعوا في ذلك الجانب النفسي حتى بالإشارة اليهم.
ان أشكال الاحتياجات الخاصة التي تظهر على المصابين بها، اما موروثة والتي يعمل العلماء جاهدين على تنقية خلاياهم من الجينات المصابة التي تحملها، وتوليد أجيال لا تحمل تلك الصفات الوراثية المريضة(وهذا ما هو متوقع ان يتم عام 2017)، أو يولد الأطفال بها جراء العديد من الأسباب المتعلقة بمنظومة الحمل والجنين وأمه، أو أنها مكتسبة جراء إصابات مَرَضية جرثومية( كالإصابة بالسحايا، أليرقان، شلل الأطفال ..الخ) أو غير جرثومية كالأمراض النفسية والعصبية، أو أنها غير مَرَضية جراء الحوادث المدنية أو الحربية والكوارث الطبيعية، علماً أن درجة وحدّة تلك الحالات تتفاوت وتختلف حسب طبيعة العوق الذي تسببه.
وذوو الاحتياجات الخاصة هم أناس أصيبوا بهذه العاهة أو تلك ولكن في جميع الأحوال يبقون يشكلون كتلة بشرية يمكن تأهيلها بمختلف الوسائل واعادتهم الى حلبة المجتمع وحركته المستمرة، الى حد الاستفادة منهم كمصدر من مصادر الإنتاج الفكري أو المادي.
وتعد الحروب أحد أهم أسباب العوق والعاهات نتيجة ما تخلفه من إصابات جسدية ونفسية، وخير دليل على ذلك وأقربه الينا ما أنتجته حروب النظام البائد العبثية والتي خلّفت زهاء مليون معاق.
الإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية العراقية تقول أن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق قد جاوز ثلاثة ملايين إنسان، وهذا يتطلب حزمة متكاملة من اجراءات التخطيط وتوفير المستلزمات وبالتالي التنفيذ، من أجل تقديم الخدمات الإنسانية والصحية والاجتماعية لهذه الشريحة الواسعة.
فهم بحاجة الى دخل يؤمن احتياجاتهم اليومية، بمعنى رصد ميزانية خاصة لهم، وهذا يتطلب القيام بإحصاء علمي دقيق لهم، وهم بحاجة الى رعاية صحية خاصة، فدرجة ونسبة وشدّة العوق تتفاوت، ومنهم من يعاني من العوق الدماغي الشديد، وهم بحاجة الى معاهد تعليمية ـ تأهيلية متدرجة بالمستويات تتمكن من تطويع قابلياتهم لكي تعيد اليهم الثقة في كونهم جزءا لا يتجزأ من الوحدة الإنسانية التي تعيش على هذه البقعة، وهم ايضاً بحاجة الى زجهم في الوحدات الإنتاجية الخاصة بهم ليؤدوا دورهم في الحياة.
ولكن كل المعطيات الملموسة تؤكد أن العراق بعيد كل البعد عن الاقتراب من حافات الاهتمام الجدّي بهذه الشريحة عدا إصدار القانون رقم 38 لسنة 2013 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بتأريخ 28/10/2013، وهو في واقع الحال بقي بعيداً كلياً عن دائرة الاهتمام الإنساني والأخلاقي بهذه الشريحة الواسعة.
إننا بأمس الحاجة الى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والعمل على توعية المجتمع بضرورة التعامل مع هذه الملايين بروح إنسانية حقيقية بعيداً عن النظر اليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فالطاقة المكنونة فيهم للإنتاج المادي والفكري، تعادل طاقة شعب معافى من أي عوق لأنهم يتحدَون مصاعب الحياة من أجل البقاء.