المنبرالحر

تراوبي عنب، ودهن الراعي.. / عبدالسادة البصري

عندما كنت صغيرا أطلب من أبي أن يعطيني (بكيت) سجائره بعد أن يفرغ لأرسم عليه، أقصد (باكيت سجائر جمهوري) إنتاج شركة الدخان العراقية ، كما كنت أشتري بمصروفي اليومي (كبة وبطل ببسي أو سينالكو) انتاج شركة المشروبات الغازية بصرة، المعروفة باسم معمل سينالكو أو ببسي، و مازلت أسمع الركاب في ( الفورتات) ينادون ( معمل ببسي أو سينالكو نازل ).
وفي السبعينات تذوقت طعم ( تراوبي عنب، صودا، مشن ،شربت نادر ) وكنت أصنع برجاً للحمام أو زورقاً ألعب فيه من ( تنكة ) دهن الراعي، وأشاهد ابن عمي وهو يدخن سجائر (سومر ، بغداد ، أريدو)، وأمي تغسل ثيابنا بمسحوق الغسيل (سومر)، وفي الصيف يجلب لنا خالي البطيخ والرقي من ( المعامر ، البحار،السيبة) ــ يا لطعمه لم يفارقني للآن ــ ليجتمع الأهل ليلا في بيته يشاهدون الفلم العربي عبر تلفزيون ( القيثارة )، وحين نجحت من المتوسطة بتقدير عالٍ أهداني أبي دراجة ( بغداد) ففرحت كثيراً، أوصاني وأنا أركبها في الشارع أن أبتعد عن ( لوريات سكانيا عراق) وباصات ( ريم ).
في الصف الرابع الاعدادي أخذنا المدرس بسفرة الى مصنع الحديد والصلب في خور الزبير لنطلعَ على كيفية صناعة الحديد ونشاهد انتاجها الجديد، وكم مرة غطتني أمي وإخوتي ببطانيات ( فتاح باشا )؟!
هذه الليلة لسعني البرد فتذكرت مدفأة ( علاء الدين ) وتلك الايام وما فيها من صناعة وطنية خالصة وتحسرت كثيراً لأنني أبصر استيرادنا المتزايد لكل شيء حتى مياه الشرب والخضروات، و الضحكة صارت نادرة هذه الايام !
في مدينتي أكثر من سبع شركات صناعية عملاقة متوقفة عن العمل ، ومعمل الببسي تحول الى عمارة تضم شققاً ودكاكين ، كما احتلت محطة تعبئة وقود مكان معمل السينالكو، وتحولت معامل كبس التمور الى مخازن للأخشاب والحديد المستورد.
اذا كنا جادين بإعادة الحياة لمنتوجاتنا الوطنية ،علينا أن نبدأ بتأهيل وصيانة شركاتنا ومصانعنا، ووضع خطة جدية ومدروسة للإنتاج وكيفية دعمه وتسويقه ، كما يجب علينا أن نضع حداً للاستيراد المتنوع من إبرة الخياطة الى الطائرة والقطار، وننظم طريقة الاستيراد حسب احتياجات السوق وعدم توفر المنتوج المحلي ، مع فرض رسوم وضرائب كمركية عليه، كذلك الإيعاز وبشكل لا يقبل التسويف والمماطلة الى جميع مؤسسات الدولة أن تتعامل مع المنتوج العراقي شراءً واعتماداً في كل احتياجاتها، بهذا الحراك المخلص والحثيث سنعيد لمنتوجاتنا الوطنية ازدهارها وسندعم الاقتصاد الوطني حقاً.