المنبرالحر

السعار السياسي وأحلام السلطان / مرتضى عبد الحميد

كنا نعجب من كثافة الضباب المتراكم على نظارات عدد غير قليل من المسؤولين البارزين في الحكومة السابقة، ما أدى إلى إصابتهم بقصر النظر السياسي المزمن، وبالتالي اتساع قائمة الأعداء والخصوم اتساعاً غير معقول، فلم يتركوا جهة أو قوة سياسية، داخلية أو إقليمية، إلا ودخلوا معها في مهاترات، ومعارك دونكيشوتية لا أول لها ولا آخر، ولا مبرر لوجودها اصلاً. ويبدو أنهم كانوا مقتنعين بأن أمهاتهم ولدتهم، وختمت مبايضها بالشمع الأحمر، ولا مجال لاستنساخهم حتى على طريقة النعجة «دولي». ذهبت تلك التجربة المريرة إدراج الرياح، غير مأسوف عليها، لأنها دخلت في تناقض مع جدلية الحياة، ومع الديمقراطية والتعددية والعقلانية.
الآن يتكرر هذا المشهد بصورة اشد كارثية في الجارة تركيا، لان من يقودها يطمح إلى أن يكون سلطان زمانه، وإمبراطور أوانه.
كانت تجربة «اردوغان» الأولى تتعكز على شعار التوفيق بين خلفيته الثقافية، وتبنيه اللفظي للديمقراطية، الذي اتضح فيما بعد انه كان لأغراض الدعاية والتسويق الذاتي، وهنا لابد من الاعتراف، بأنه نجح فيه إلى حد بعيد، لدرجة أن الكثيرين من العرب والمسلمين، حكاماً ومواطنين كانوا يعتبرونه المنقذ، والمصلح الذي لا يجاريه احد، لكن المرحلة اللاحقة ورغبته العارمة في تحويل حلم السلطنة إلى واقع على الأرض، جعلته يصطدم بحقائق الحياة، واتسمت ردود فعله بالتخبط والارتجال، فكانت الحصيلة هذا الكم الهائل من التسلكات والمواقف العدوانية التي بدأت بتدمير سوريا، ومازال مصراً عليها، ثم انتقل إلى تقديم دعمه اللا محدود للسلفيين المصريين، وعادى الشعب المصري والنظام الجديد، من اجل عيونهم، كما أسهم إسهاما جديا في صناعة «داعش» ورعايتها، وتغولها، عندما حول تركيا إلى الحاضنة الأساسية لتمويلها وتسليحها، والتحاق الارهابين بها من مختلف بلدان العالم، وفي الوقت ذاته أطلق العنان لطائراته الحربية في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني، ومناهضة حقوق الشعب الكردي وقواه السياسية، بعد أن تنكر للوعود التي قطعها لهم سابقاً.
وبتدبير مبيت مع حلف الناتو، وضوء أمريكي اخضر، قام بافتعال أزمة خطرة مع روسيا، بإسقاط طائرة السوخوي (24) بحجة دخولها الأجواء التركية، فيما الهدف الحقيقي هو تحجيم الدور الروسي في المنطقة وخصوصاً في سوريا، وإنقاذ تجارة النفط الذي تستولي عليه «داعش» وتبيعه لهم بأسعار بخسة.
وللهرب من هذا المآزق، وأحياء أطماعه في ولاية الموصل، والتمدد على حساب الجيران، قام من دون موافقة الحكومة العراقية بإدخال قواته العسكرية وأسلحته الثقيلة إلى عمق الأراضي العراقية في عدوان سافر، وانتهاك فظ للسيادة الوطنية.
والغريب في الأمر، أن الموقف الرسمي التركي يصر على عدم انسحاب قواتهم الغازية من العراق، رغم طلب الحكومة العراقية بسحبها، والتهديد بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، فأية وقاحة هذه؟ وأي سلوك عدواني يقوم به السلطان وحاشيته؟
أن هذا السعار السياسي والعدوان المتكرر على العراق ما كان ليحصل، لا من القادة الأتراك، ولا من قادة أية دولة أخرى، لو لم تكن الجبهة الداخلية مهلهلة، والحكومة ضعيفة، مما يغري الآخرين بالتدخل في الشأن العراقي، سيما وان العديد من القوى السياسية العراقية، تستقوي بهم، وتسهل لهم عملية التدخل والاستهتار بمصير شعبنا وبلدنا، وهو ما يضاعف أهمية المطالبة بالإصلاحات السياسية والإدارية، التي أعلنتها الجماهير صريحة واضحة لا لبس فيها، وستظل مصرة عليها، إلى أن يتم تحقيقها كاملة غير منقوصة.